وجع ينهض من الرماد

عباس النوري العراقي

منذ عام 2003، والعراق يسير على دروبٍ متشابكةٍ بين الحلم والخذلان، بين جراح الماضي ونبض الأمل في الغد.  أرض الرافدين، التي علّمت الدنيا معنى الحضارة وكتبت أول حرفٍ على طينها، وجدت نفسها تغوص في دوامةٍ من الفوضى والدموع، تبحث عن ملامحها بين الركام، وتستنطق ذاكرة الأجيال عن وطنٍ كان يوماً نبعاً للحكمة والعزة. سنواتٌ مضت حملت في طياتها الألم والدمار والانقسام، ولكنها لم تستطع أن تُطفئ في قلب العراقي جذوة الإصرار. فكلّما انهار جدارٌ من أمل، بنى بيديه جداراً جديداً من الصبر. وكلّما حاولت رياح السياسة تمزيق نسيجه، أعاد هو خيوط الأخوة من دمٍ ووفاء. 

إنه العراق الذي يُولد كل يومٍ من جديد، رغم الجراح، رغم الأزمات، رغم ما كُتب عليه من محن.. العراق الذي يسكن في عيون أطفاله، في ابتسامة أمهاته، في نداء مؤذّنٍ يختلط بصوت أجراس كنيسة، في لهجة الجنوب ولهفة الشمال، في حنين البصرة وطيبة الموصل وكرم بغداد. وهذا الحب والانسجام الذي نحمله في صدورنا لم يأتِ من فراغ، بل تعلمناه من تاريخ الأنبياء الذين مرّوا على هذه الأرض المباركة، من آدم عليه السلام الذي خطا أولى خطوات البشرية على ترابها، إلى أنبياء الله الذين حملوا رسالات النور في أرض العراق. وتجلى هذا النور في حكومة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، حين جعل من العدل منهجًا، ومن الإنسان قيمةً سامية.   ثم امتدت مسيرة الفداء بتضحيات الإمام الحسين عليه السلام وأهل بيته وأصحابه، الذين سطروا بدمائهم دروس الكرامة والحرية.  ومن مدرسة الإمام الصادق عليه السلام خرجت أجيال العلماء الذين أناروا الفكر الإسلامي بعلمهم، كما تجسد الصبر والإيمان في سيرة الإمام الكاظم عليه السلام وهو يواجه السجن والتعذيب بثباتٍ من أجل خلاص الأمة ونجاتها. 

ونحن اليوم، أبناء هذا الإرث الإلهي، ننتظر صاحب العصر والزمان عجل الله فرجه الشريف، ليملأ الأرض قسطًا وعدلاً كما مُلئت ظلمًا وجورًا. 

يرونه بعيدًا، ونراه قريبًا... قريبًا كنبض الأمل في صدور المظلومين، وكنور الفجر الذي يبدّد ظلام القرون. 

فيا عراق… 

لقد تعبنا من انتظارك، لكننا لم نفقد إيماننا بك. 

نحلم بك وطناً يليق بتاريخك، يسكنه شعبٌ واحد، يحمل راية واحدة، ويكتب فصلاً جديداً من فجر العدالة والسلام.