العربية.. قدسية لا تحتمل الخطأ
عبد اللـه ياسين الجنابي
قد يتغاضى الإنسان عن بعض الأخطاء والهفوات في شؤون الحياة اليومية، فكلنا نخطئ ونصيب. غير أن هناك ميدانين لا يجوز فيهما التساهل أو التغاضي: القرآن الكريم واللغة العربية.
فالقرآن كلام الله تعالى، نزل بلسانٍ عربيٍّ مبين، محفوظ بحروفه ومعانيه، وأي خطأ في تلاوته أو تفسيره قد يبدّل المعنى ويشوّه المقصود الإلهي. لذلك كانت العناية بألفاظه وضبط قراءته من أشرف العلوم وأدقّها، لأن التعامل مع القرآن يحتاج خشوعًا علميًا قبل أن يكون خشوعًا قلبيًا.
أما اللغة العربية فهي الوعاء الذي حمل هذا الوحي الإلهي، واللسان الذي به عبّر الإنسان عن فكره وهويته. ومن هنا فإن الخطأ فيها ليس مجرد زلّة لسان، بل هو خلل في الوعي وانكسار في صميم الهوية الثقافية للأمة ، والمؤسف اليوم أن الأخطاء اللغوية والإملائية لم تعد مقتصرة على العامة، بل امتدت إلى بعض من يُحسبون على النخب العلمية والأكاديمية. نرى أخطاءً كارثية في كتابات تصدر عن مؤسسات أكاديمية رصينة، بل وعن وزارات رسمية! فهل الخلل في ضعف التعليم الأساسي؟ أم في اختيار الموظفين دون مراعاة للكفاءة اللغوية؟ أم في الاعتماد المفرط على التقنيات الحديثة التي جعلتنا نثق بالآلة أكثر من عقولنا؟
إن الخطأ في اللغة ليس تفصيلًا عابرًا، بل هو مؤشر على تراجع الذوق والمعرفة والاحترام للهوية. لذلك علينا أن نعيد للغة العربية مكانتها وهيبتها، وأن نغرس في الأجيال تقديس الكلمة كما نقدّس الكتاب.فالقرآن واللغة وجهان لجلالٍ واحد: وحيٌ نزل بالعربية، ولغةٌ خُلقت لتحمل الوحي.
إن الخطأ في اللغة ليس تفصيلًا عابرًا، بل هو علامة نُفوسٍ ترهّلت عن الجمال، وعقولٍ تقاعست عن البيان، هو مؤشرٌ على تراجع الذوق، وانحسار المعرفة، وفتور الانتماء إلى الهوية.
لذلك، لا بد أن نعيد للغة العربية هيبتها في العقول، ومكانتها في النفوس، وأن نغرس في الأجيال تقديس الكلمة كما نقدّس الكتاب، فمن لا يُجيد لغته، لن يُجيد فهم دينه، ولا التعبير عن ذاته، ولا الدفاع عن وجوده.
فالقرآن واللغة وجهان لجلالٍ واحد: وحيٌ تنزّل بالعربية، ولسانٌ سُوّي ليحمل الوحي. منهما نبدأ… وبهما نرتقي… فلا القرآن يُفهم بغير لغته، ولا اللغة تُصان بغير قرآنه.