أي عراقي.. فاسد
فاتح عبدالسلام
في جلسة هادئة في مقهى لندني، يعكف رواده على قراءة الكتب وتصفح الالواح الإلكترونية مع رشف اقداح القهوة، جرى لي حديث مع أحد المهتمين بعالم الذكاء الاصطناعي، وحين رآني أكتب بالقلم وباللغة العربية، توقف، مائلا برقبته، متأملاً السطور المتنافرة والتي يتخللها الشطب والتعديل والاسهم، وقال: هل تسمح لي بالتمعن في هذه الصفحات التي تكتب فيها؟ وكأنه وجد شيئاً نادراً لم يعد له وجود في عالم اليوم وبات من الاعمال الأثرية الغابرة. وسألني عن هذه اللغة التي اكتب فيها، وحين علم انها العربية، قال: ما أجملها من لغة فيها روح، لكن لا أدري الى متى ستكتبون بالقلم والورقة وقد اجتاحت موجات الذكاء الاصطناعي التوليدي كل مناحي الحياة والعمل.
قلت له: ليس لدي خيار في الكتابة الإبداعية إلا من خلال القلم والورقة.
قال: أعرف انّ القلم منذ أقدم العصور مصدر الهام للكتّاب، لكن هذا المصدر سيكون من الماضي الذي لا يعاد الى الحياة بعد حين.
سألته: الى أي درجة أنت مهتم بالذكاء الاصطناعي.
قال: أنا أعمل في احدى شركاته. ويبدو انني احتاج الى التقاط صورة شخصية معك لأنك ستكون من ذكريات الماضي البعيد بعد أسبوع او شهر ليس أكثر، فهذا العالم الخارق لكل شيء يجتاح تفاصيل الدنيا والانسان حتى الذكريات والنيات.
ضحكت قائلاً: ليس الى هذه الدرجة.
شدّد على رأيه: بالعكس الى هذه الدرجة وأكثر. الذكاء الاصطناعي يبني كل شيء لكن لا نعلم الى أي طابق يصعد بالبناء الذي يشيده، وهنا تكمن خطورته، فقد لا نجيد ذات يوم النزول الى الطوابق الدنيا.
ضحكت وقلت له: أتمنى لو يخضع السياسيون في بلدي الأصلي لمعاملات الذكاء الاصطناعي، لتحليل عقلياتهم ولنعرف الى حقبة تاريخية ينتمون.
سألني: من أي بلد أنت؟
قلت: العراق.
قال: انت متهم بالفساد إذا أدخلت بياناتك في برنامج الذكاء الاصطناعي.
استنكرت ذلك بشدة، وقلت له: لا علاقة لي بالسياسة والحكومة والمشاريع وما يجري هناك، ولا أتذكر انني سلمت على فاسد يوماً الا بالصُدف الاضطرارية التعيسة.
قال: أجل انتَ تبدو صادقَ القول، لكن المعلومة الأولى والاكبر هي إنك تنحدر من بلد مليء بالفساد بحسب كل التصنيفات العالمية التي ستغذي الذاكرة المعلوماتية للتحليل، ومن ثمّ تكافح معلوماتك الشخصية في خوارزمية البرامج لإنقاذك من التهمة مع اتضاح ملامحك الإبداعية والعلمية والإنسانية.
قلت له: الى هذا الحد سمعتنا سيئة.
قال: وأكثر ممّا تتخيل.
ذهب الرجل وتركني مذهولاً ، اتخيل ماذا ستكون النتيجة حين تدخل أسماء المسؤولين والنواب خلال عشرين عاماً في برامج الذكاء الاصطناعي؟