الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
استاذ التحسس النائي  والجيوفيزياء احمد سرداح الزبيدي:  أدعو الى استثمار كل قطرة تهطل من السماء رصيداً في بنك الماء

بواسطة azzaman

استاذ التحسس النائي  والجيوفيزياء احمد سرداح الزبيدي:  أدعو الى استثمار كل قطرة تهطل من السماء رصيداً في بنك الماء

مجيد السامرائي

 

انا فتى الصحراء؛ عند تعطل التكنلوجيا  افعل كما  كان البدو يفعلون، أخوض في جوف التيه وأعماق النهايات

الصحراءسر

 تلقي عباءتَها عَليَ

 حَفيَفها ...........

لغة النجوم الافله

تِيهٌ ؛ وقافلةُ تُضيعُ قافلة

دليلنا في هذه الرحلة عالمٌ رحّالة من نوع خاص، من كلية التحسس النائي في جامعة الكرخ ببغداد...

اطلق عليك في أوساط زملائك لقب «فتى  الصحراء»، كيف نشأ هذا الاسم؟

ــ في الواقع، أُطلق عليّ هذا اللقب من بعض الأصدقاء والزملاء لكثرة أسفاري وتنقلي في الصحراء خلال العمل، كنتُ كثيرَ الترحال شرقا وغربا وشمالا وجنوبا.

□  إلى أي مدى وصلت رحلاتك داخل العراق؟

ــ شرقا وصلت إلى زرباطية على الحدود العراقية الإيرانية، وغربا إلى الرطبة عند الحدود مع الأردن، وشمالا إلى زاخو، وجنوبا حتى خضر الماء عند الحدود السعودية ـ الكويتية، والآن أنا بينكم في عمّان.

ـ. ننتقل إلى التخصص، «التحسس النائي»... هل يرتبط هذا العلم بارتفاع معين؟

ــ لا، لا يوجد ارتفاع محدد لاستخدام تقنية التحسس النائي، لكن جرت العادة أن يكون التصوير من خلال الأقمار الصناعية أو الطائرات، والآن أصبحت الأقمار الصناعية هي الأساس.

ـ نشاهد الآن على الشاشة لوحة للفنان عبد القادر الرسام... يبدو أن فيها طائرة تحلق فوق الملوية، وربما كانت صورة التُقطت من طائرة أخرى؟

 □ هل لديك اطلاع على هذه اللوحة؟

ــ نعم، هذه اللوحة سبق أن اطلعت عليها، وهي تجسّد مشهدًا لطائرة فوق الملوية كما لو أنها تلتقط صورًا لمعالم أثرية، وليس لغرض آخر كما قد يُفهم أحيانًا.

طائرات متعددة

□  خلال عملك، هل ركبتَ طائرات استقصائية لأغراض التحسس النائي؟

ــ سافرت كثيرًا وركبت طائرات متعددة، لكن لم تتح لي الفرصة بعد في ركوب طائرة مخصصة للتحسس النائي.

إذن ما زلنا في طور البداية في هذا المجال؟

ـ لا، اسمح لي... هذا من أحدث التقنيات المستخدمة لدراسة الظواهر والأجسام عن بعد، خصوصًا تلك التي يصعب الوصول إليها ميدانيًّا.

□  تخصصك الأساسي هو «الجيوفيزياء»، أليس كذلك؟

ــ نعم، تخصصي هو الجيوفيزياء، وأنا أنتمي إلى كلية تجمع بين الجيوفيزياء والتحسس النائي.

ووفق القاموس الذي ألّفته باللغة الإنجليزية، كيف عرّفت الجيوفيزياء؟

ــ عرّفتها بأنها العلم الذي يدرس الأرض وطبقاتها الصخرية اعتمادًا على الخصائص الفيزيائية لهذه الطبقات والترسيبات، مما يساعدنا على التمييز بين الصخور وما تحويه من معادن وثروات طبيعية.

وماذا عن «التحسس النائي»، كيف عرّفته؟

ــ للأسف، لم أدرج تعريفًا له في ذلك القاموس، لكنه يُعرّف عمومًا بأنه العلم الذي يدرس الأجسام أو الظواهر دون تماس مباشر معها.

ـ أظن أن بعض الزملاء سيغضبون منك الآن.!

ــ (ضاحكًا) ربما... لكن لا بأس، لا أظن أنهم سيزعلون، إن شاء الله في الطبعة القادمة نعوّض هذا النقص!.

ـ نعود إلى الكلية... هذا التخصص، هل كان يُدرّس قديمًا ضمن أقسام الفيزياء؟

ــ نعم، سابقًا كان يُعتبر فرعًا من فروع الفيزياء في كليات العلوم، أما اليوم فقد أصبح تخصصًا مستقلًّا.

□  متى أُسِّس أول قسم يحمل اسم «التحسس النائي»؟

ــ أول قسم بهذا الاسم افتُتح في جامعة بغداد، وكان تحت عنوان «التحسس النائي ونظم المعلومات الجغرافية»، وبعد ذلك بعام تأسست كلية متخصصة في التحسس النائي والجيوفيزياء في جامعة الكرخ للعلوم.

ـ في ضوء هذا، نجد أن كثيرًا من المصطلحات العلمية المتداولة تفتقر إلى تعريفات موحدة. هل هذا صحيح؟

ــ نعم، هذا دقيق جدًا، فالكثير من المصطلحات المتداولة، مثل «التحسس النائي» أو حتى «الاستشعار عن بعد»، تحتاج إلى ضبط وتحديد.

ـ ما الفرق إذن بين «التحسس النائي» و»الاستشعار عن بُعد»؟ هل هما مصطلحان لشيء واحد؟

ــ نعم، في الأصل كلا المصطلحين يُترجمان عن المصطلح الإنجليزي Remote Sensing. لكن اختلفت الترجمات العربية:

هناك من يرى أن الترجمة الأدق هي التحسس النائي، وآخرون يفضّلون الاستشعار عن بُعد.

وفي الواقع، الغالب في الاستخدام بالدول العربية مثل مصر والإمارات وغيرها هو «الاستشعار عن بُعد»، في حين أن «التحسس النائي» يُستخدم أكثر في العراق وبعض الأوساط الأكاديمية فيه.

□  انتقالا  إلى الميدان. من خلال هذه التقنيات، هل يمكن تحديد مكامن المياه الجوفية؟

- نعم، يمكن ذلك، وبدقة عالية نسبيًّا، خصوصًا باستخدام الطرائق الجيوفيزيائية.

وعلى سبيل المثال، في شمال العراق، أو إقليم كردستان، تتراوح أعماق المياه الجوفية بين 10 أمتار إلى 700 أو حتى 800 متر تحت سطح الأرض.

في طفولتنا في سامراء، كان يُقال إن البئر يُحفر بعمق( قامة ورفعة يد) ، وكان الماء يُستخرج بسهولة... هل ما زال الأمر كذلك؟

ــ صحيح، هذا تعبير شعبي معروف. القامة تقريبًا تساوي 170 إلى 180 سنتيمترًا، ورفعة اليد : الذراع  ما بين 50 إلى 60 سنتيمترًا.

ففي مناطق سامراء والمدن القريبة من النهر أو بحيرة سد سامراء، يكون منسوب المياه الجوفية قريبًا جدًّا من السطح، لذلك تحفر الآبار أحيانًا بعمق مترين أو ثلاثة فقط، والسبب هو تغذية المياه الجوفية من المياه السطحية.

مصطلح اصيل

□  جميل، هناك تعبير قديم مرادف للبئر... «الجب»، كما في قصة يوسف: «في غيابة الجب»... هل ما زال هذا المصطلح يُستخدم؟

ــ نعم، بالتأكيد. الجب هو مصطلح أصيل ومرادف لـ»البئر»، ويُستخدم حتى اليوم في بعض المناطق.

وهناك أيضًا تعبير آخر شائع هو «النبعي»، ويُقال للبئر الذي لا ينضب، أي دائم الجريان، لا يجف ولا يُستنزف ماؤه بسهولة.

النبعي… إذًا جمعها «نباعي»؟ كمنطقة «النباعي»؟

ــ نعم، صحيح، وهذا يعود لتسميتها نسبةً إلى كثرة الآبار النبعية فيها، حيث كانت قديمًا تُحفر بعمق عشرة أو خمسة أمتار فقط، وتخرج المياه بسهولة. أما اليوم، فبعض الآبار تُحفر بعمق ثلاثين مترًا وأكثر.

ما الأدوات التي تستخدمونها لحفر هذه الآبار؟ وهل هناك أسماء محددة لهذه الأجهزة؟

ــ تُسمى ببساطة «جهاز الحفر»، وتختلف تسمياته حسب الشركة المصنعة، فليس له اسم موحّد، إنما يُعرف حسب الطراز والتقنية المستخدمة فيه.

هل تذكر بئرًا حفرتموه فكان إنجازًا مميزًا لكم واحتفلتم به؟

ــ نعم، كثيرة هي الآبار التي أنجزناها، لكن في الصحراء الجنوبية والغربية، وحتى في بعض المناطق الجبلية في إقليم كردستان بعد عام 2003، كانت هناك آبار بالغة الصعوبة، واحتفلنا كثيرًا عندما نجحنا في إنجازها.

ـ كيف كان شكل الاحتفال؟

ــ كان بسيطًا، لكنه عميق في معناه... مجرّد وصول الماء كان كافيًا ليفجّر الفرح. الماء في الصحراء ليس موردًا فقط، بل أملٌ يتحقق.

□  هل تستطيعون «التخمين» إن كان هناك ماء تحت الأرض دون استخدام تقنيات التحسس؟

- التخمين المجرد غير دقيق، لكن الطرق الجيوفيزيائية هي التي نستخدمها في عملي، ومنها طرق مختلفة، إلا أن أكثر طريقة أعتمد عليها هي طريقة المسح الكهربائي (Resistivity Method)، وهي اختصاصي الدقيق.

□  المسح الكهربائي؟ وهل تطبّقونه بشكل ثنائي الأبعاد أم ثلاثي الأبعاد؟

- نعم، استخدمتها بشكل ثنائي الأبعاد وثلاثي الأبعاد أيضًا، وهذا يسمح بتحليل أعمق وأدق للبنى تحت السطحية.

□  لا أريد أن أقول شيئًا يجعلك تغضب... لكن هل علمتك الأكاديمية كل هذا؟

ــ (ضاحكًا) لا تقلق، لن أزعل...

في الحقيقة، أكاديمية الصحراء هي التي علمتني أكثر من أي شيء. الصحراء تُدرّس بالصبر...

الصبر حين تحتاج إلى حلول عاجلة، الصبر حين تنقطع عن أبسط الاحتياجات، الصبر حين يتعطل جهاز الحفر ولا تجد من يعينك، أو حين لا تجد مكانًا قريبًا تلجأ إليه...

الصحراء تربي الإنسان على التحمل... وعلى الحكمة أيضًا.

ـ كيف يمكن أن نستثمر الهبات السماوية في بيئة ندرةٍ وقحط، حيث شحّ المطر وقلّ الماء؟

ــ هنا تظهر أهمية ما يُعرف بـحصاد المياه أو حصاد الأمطار. وقد دعوتُ طلابي مرارًا إلى الاهتمام بهذا المفهوم، لا سيّما في المناطق التي ترتفع فيها درجات الجفاف وتقلّ فيها الموارد السطحية.

الفكرة أن نستثمر كل قطرة تهطل من السماء، أن نجعل منها «رصيدًا» في بنك الماء، كما أحبّ أن أُطلق عليه.

ـ جميل هذا التشبيه... بنك الماء. لكنك رغم انخراطك في تقنيات حديثة، تُصرّ على العودة إلى وسائل بدوية قديمة. لماذا؟

ــ لأنّ الصحراء تفرض عليك أن تجمع بين الحديث والبدائي، بين الأقمار الصناعية والنجوم.

أنا لا أتنازل عن هذا  الجهاز GPS، لكنه قد يفرغ من الشحن فقد  يتعطل في لحظةٍ حرجة، لذلك أبقي في ذهني النجوم والكواكب، وأهتدي بها كما كان البدو يفعلون، خصوصًا حين أخوض في جوف التيه وأعماق النهايات... هناك، حيث لا يُسمع إلا حفيف الصحراء، ولغة النجوم الآفلة.

ـ وهل ضيّعت نفسك مرّة في الصحراء؟

ــ لا، لم يحدث ذلك بحمد الله..

ـ كيف لا؟ كيف يمكن أن تُهتدى الطرق وسط هذا الاتساع الشاسع؟

ــ لأننا، أنا وزملائي وكل من يعمل في الحفر والاستكشاف، نحمل معنا دائمًا جهاز GPS، وهو يُحدد لنا الموقع بدقة، الإحداثيات، والارتفاع عن مستوى سطح البحر، ويمكننا عبره رسم خارطة رقمية تُظهر موقع البئر أو المعلم المراد.

ـ قلتَ في البداية كلمة «مثابات»... ما المقصود بها؟

ــ المثابات، أو النقاط المرجعية، هي محطات أو معالم استدلالية تُسجل في جهاز الـGPS، فنحن لا نتحرك عبر مسارب والدوارات، بل نتنقل وفق الإحداثيات الدقيقة.

ـ بصفتك «فتى الصحراء»، هل يمكنك أن تدلّ القوافل؟

ــ بالتأكيد، طالما أنني أمتلك جهاز

GPS وأعرف كيفية استخدامه، ومعي الخريطة الرقمية، فبوسعي أن أتنقّل وأدلّ القوافل.

ـ هل ما زالت البوصلة تُستخدم؟ القُنباص؟

ــ قليلًا ما تُستخدم اليوم. أجهزة الملاحة الحديثة مثل GPS تفوقت عليها كثيرًا من حيث الدقة والسرعة، لكن تبقى البوصلة جزءًا من تاريخ الرحلات، وأحيانًا نحملها معنا كاحتياط.

ـ وإذا تعذر استخدام الجهاز لأي سبب؟ هل هناك بديل بدوي؟

ــ نعم، نعود إلى النجوم... لدينا زملاء وفنيون يمتلكون خبرة بتتبّع النجوم والأبراج، ويستطيعون التمييز بين الجهات ليلاً.

ـ في حالات العطش أو فقدان الماء، من أين كنتم تشربون؟

ــ قبل عام 2003، كنا نشرب من مياه الآبار التي نحفرها، أو من «التنكر» الذي ينقل الماء لنا. كنا نستخدم نفس الماء للحفر وللشرب.

بعد 2003، بدأنا باستخدام المياه المعبّأة في عبوات بلاستيكية.

ـ بالقرآن: «وَفُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ»... هل المياه الجوفية في العراق سائغة؟

ــ بعضُها نعم، وبعضها لا.

في شمال العراق، وخصوصًا في إقليم كردستان، هناك مياه جوفية عذبة جدًّا، بل وأوصيت شخصيًا بتعبئتها مباشرة وتوزيعها، إذ تقلّ ملوحتها عن 300 ميليغرام/لتر، وهي أقل من بعض المياه المعبّأة تجاريًا.

أما في السهل الرسوبي الممتد من شمال سامراء إلى الخليج، فمعظم المياه الجوفية هناك غير جيدة، وتُوصف بأنها «مُجّة»، أي غير مستساغة الطعم.

ـ وماذا عن مياه الصحراء؟

ــ في الصحراء الغربية والجنوبية، هناك بعض المناطق ذات مياه مقبولة أو عذبة ضمن المواصفات العالمية.

ـ كم تمكثون في الصحراء بعيدًا عن المدينة والتمدّن؟

ــ حين كنت أعمل في الهيئة العامة للمسح الجيولوجي العراقية، كنا نمكث أكثر من 20 يومًا متواصلة.

أما حين انتقلت إلى الهيئة العامة للمياه الجوفية، أصبح معدل المكوث بين سبعة إلى خمسة عشر يومًا في كل مهمة.

التحريات الجوفية... والتحريات الجنائية؟

هذه «تقنيات المقاومة النوعية الكهربائية»، نعم... ما معناها؟

هي ببساطة إحدى التقنيات الجيوفيزيائية التي تُستخدم في التحري عن المياه الجوفية، وكذلك في الكشف عن بعض المشكلات الهندسية. وقد قمتُ بتوظيفها فعليًا خلال عملي في الهيئة العامة للمياه الجوفية، في إطار التحري عن مكامن المياه تحت سطح الأرض.

لفتني تعبيرك «التحري»... هناك تحريات جنائية، وهناك تحريات جوفية. ما الفرق؟

التحريات الجنائية يقصد بها تقصّي الجريمة، أما التحريات الجوفية فنعني بها البحث عما يوجد تحت سطح الأرض، سواء أكان ماءً أو تراكيب جيولوجية أو غيرها.

وهل يمكن لتقنيات التحري الجوفي أن تخدم في كشف الجرائم؟

بكل تأكيد. هناك تقنية تسمى «GPR» أو Ground Penetrating Radar، أي «الرادار المخترق للأرض»، وتُستخدم هذه التقنية فعليًا في تحديد أماكن دفن الموتى أو المقابر الجماعية. وقد أثبتت فاعليتها العالية في هذا المجال.

ننتقل إلى مشهد آخر... أليس ما يحصل في ملف المياه الجوفية جريمة تستحق التحري؟

هو ليس جريمة جنائية بقدر ما هو عبثٌ ناتج عن استثمار غير مدروس. هذا الاستنزاف العشوائي أدى إلى انخفاض منسوب المياه الجوفية في كثير من مناطق العراق. والمشكلة أننا بحاجة إلى هذه المياه في مناطق معينة، وهناك أناس يعتمدون عليها كليًا، لذلك وجب أن نتحرى عنها وندرسها بدقة قبل استخدامها.

ساوة... هل اختفت البحيرة؟

البارحة كنا أنا وأنت نشاهد نشرة الأخبار، ولفتَ نظري مشهد جفاف بحيرة ساوة. ما شعورك حينها؟

شعور مؤلم. وأنا شخصيًا كنتُ أحد أعضاء الفريق الذي كلّف بدراسة أسباب انخفاض منسوب بحيرة ساوة. الأسباب كانت واضحة: حفر آبار تجاوزًا، واستهلاك كميات كبيرة من المياه الجوفية، مع العلم أن العراق مرّ في السنوات الأخيرة بظروف جفاف شديدة، فالأمطار لم تكن كافية لإعادة تغذية الخزانات الجوفية.

لكن يُقال إن البحيرة بدأت تستعيد عافيتها، هل هذا صحيح؟

لا، هذا غير دقيق. ما يحدث هو أننا نلاحظ في بعض الأشهر التي يقل فيها استهلاك المياه الجوفية، أن منسوبها يرتفع قليلًا. فيُخيّل للبعض أن البحيرة بدأت بالتعافي. لكن الحقيقة أن هذا ليس تعافيًا بل هو مجرّد نتيجة لانخفاض السحب من الخزانات الجوفية، وليس نتيجة تجدد طبيعي للمياه.

من الخنياب إلى الصيهود... من زمن الماء إلى زمن الجفاف

عبارة شدتني: «أنزلني الدهر على حكمه، من شامخ  عال ، إلى خفض

 من الخنياب للصيهود

«الخنياب»؟ «الصيهود»؟ متى ترد هذه الكلمات؟

الخنياب، مرّت عليّ هذه الكلمة في أغنية قديمة عند انوار عبد الوهاب. وبعد بحث وقراءة، عرفت أنها تعني أحد مواسم الفيضان. أصلها أكدي – «خنابه» أو «خنيابه» – وهي تصف مراحل الفيضان النهري، خصوصًا في مناطق الجنوب

فعلا.

غنت انوار عبد الوهاب (يالماعليك هموم عونك يا هالماي

جا خنيبت ومحيت لو بيك الوياي)

وماذا عن «الصيهود»؟

الصيهود هو عكس الخنياب، أي موسم الجفاف. في السابق، كان الفرات ودجلة يمرّان بفترات فيضان خطيرة، ثم يليها موسم صيهود، أي الجفاف الشديد. وهذا التناوب كان منسجمًا مع تقلبات الطبيعة.

متى يمكن أن نصل إلى «الصيهود» الأكبر؟

إذا استمر الوضع على ما هو عليه، لا قدر الله، فإننا ماضون نحو سنوات جفاف كارثية. بعض الدراسات وضعت العام 2040 كموعدٍ محتملٍ لجفاف واسع، لكن هذا رقم تقديري مبني على نماذج رياضية. ومع ذلك، فإن كثيرًا من الباحثين لا يتفقون عليه، لكن الخطر موجود، والقلق مبرر.

الموديلات الرياضية... والحنين إلى «النهايات»

موديلات رياضية؟

نعم، نعم، «موديلات رياضية»... تعريف جميل؟

هو من التعريفات العلمية الحديثة، ويُعد من التخصصات الأساسية في التنبؤ، خصوصًا في علوم الجيولوجيا المائية (الهيدروجيولوجي) والجيوفيزياء. وتُستخدم هذه النماذج في دراسة الظواهر الطبيعية وتوقع سلوكها المستقبلي.

قرأت النهايات لعبد الرحمن منيف؟

نعم، قرأتها. صدرت عام 1977، وأبطالها لا يُنسَون...

بطله «عساف»، قال حكمة بقيت تتردد في أذني...

«الأيام الصعبة لم تأتِ بعد، علينا أن نستعد لها»... كانت هذه إحدى كلماته التي لا تُنسى.

وكان صيادًا؟

كان صيادًا، لكنه كان يشكو الجفاف، وكان الصيد ملاذًا أخيرًا. لكن الصيد الجائر، وخصوصًا تجاه الطيور، أدى إلى تناقص أعداد الحمام التي كان يصطادها. وكان عساف يوصي بعدم صيد الإناث.

الإناث؟ كيف كان يفرّق؟

هو أدرى... كما نحن في الصحراء نعرف علامات البقاء.

الغذاء في جوف التيه

في الصحراء... ما الذي تأكلونه؟ كيف لا تموتون جوعًا؟

لا، لا نموت جوعًا، ولن نموت إن شاء الله. نحن نذهب مزودين بمؤونة كافية، أغلبها معلبات لأنها تقاوم التلف.

قلية  البطاطا؟

البطاطا كانت رفيقة الدرب، لكن المعلبات هي الأساس. أي مادة لا تتلف خلال فترة العمل تُحمل معنا.

الوصايا للجيل الجديد

طلابك الذين تخرجهم إلى الصحراء كأفواج... ما وصاياك لهم؟

أوصيهم أولًا أن يجدوا فرصة عمل تناسب اختصاصهم، وأن يسهموا في التحري عن ثروات هذا البلد. العراق غني بثرواته الطبيعية، ولا بد أن يأتي اليوم الذي يستفيد فيه الشعب من هذا الغنى.

حضرتك شاركت في دورة مفاوضات دولية؟

نعم، كنت مرشحًا ضمن فريق التفاوض الذي سيمثل وزارة الموارد المائية في ملف المياه، سواء السطحية أو الجوفية العابرة للحدود، بحضور خبراء من الأمم المتحدة.

ودجلة... والنهر الذي لم يعد يفيض

قريب من دجلة؟

نعم، أعيش إلى جواره، وأراقب تقلباته. منسوب المياه قد يبدو مرتفعًا، لكن الكمية التي تطلق من دول الجوار، خاصة تركيا، أقل بكثير من الواردات المطلوبة.

من يحدد كمية الإطلاق؟

مركز إدارة الموارد المائية في الوزارة. عادة ما تُطلق 400 متر مكعب في الثانية من سد الموصل، لكن...

والعظيم؟

بحيرة سد العظيم، كما يقال، «ميتة سريريًا». خزينها الآن لا يتجاوز 116 مليون متر مكعب، بينما سعتها الكاملة تصل إلى مليار ونصف. والسبب أن حوضها بالكامل داخل العراق، ويعتمد على المطر، ونحن في سنوات جفاف متواصلة.

الصيهود الأكبر يلوح في الأفق

إذن، الأزمة مستمرة؟

نعم، بل متصاعدة. إذا لم نُعِد النظر في طريقة إدارتنا للمياه، فإن المستقبل مظلم. نحن نحتاج إلى تغيير جذري في الرؤية.

نحتاج إلى فتيان صحراء؟

لا، نحتاج إلى فتيان في مركز القيادة. شباب برؤية مختلفة، قادرون على اتخاذ قرارات شجاعة. منذ أكثر من عشرين عامًا، لم يتغير شيء في مواقع القرار، ونحن نغرق في الأزمات.

بين فيضان الغيم وجفاف الواقع

من نعم الله عليك، أنك في كلية قرب الماء، متخصص في المياه، لكن تُلقب بفتى الصحراء؟

نعم، أنا متخصص بالمياه السطحية والجوفية، ورغم الغيث الذي نراه، إلا أن التخصص علّمني ألا أفرط في التفاؤل.

ماذا قال لك منيف أيضًا؟

في النهايات، قال إن في حياة الإنسان لحظات خصوبة، لا يعرف كيف تأتيه ولا متى تنفجر داخله.

وأسلافك، أساتذتك، ماذا علموك؟

علّموني كل ما ينفع الإنسان كإنسان، وكل ما ينفع في اختصاصي. وها أنا اليوم، تلميذٌ، قبل أن أكون أستاذًا

قل لي محاضرة أستفيد منها، أشعر أني


مشاهدات 126
الكاتب مجيد السامرائي
أضيف 2025/10/18 - 12:04 AM
آخر تحديث 2025/10/19 - 11:12 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 333 الشهر 12616 الكلي 12152471
الوقت الآن
الأحد 2025/10/19 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير