الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
مفهومان مختلفان.. المثقّف المقيم والمثقف المغترب

بواسطة azzaman

مفهومان مختلفان.. المثقّف المقيم والمثقف المغترب

احمد فكاك البدراني

 

المثقف هو الشخص الذي يتسم بمعرفة واسعة وثقافة متعددة، ويمتلك القدرة على تحليل الواقع من حوله، كما يساهم في تطوير المجتمع من خلال الأفكار والإبداعات التي يطرحها. يمكن تصنيف المثقفين إلى نوعين رئيسيين في السياق المعاصر: المثقف المحلي والمثقف المغترب، وهما يتباينان في عدة جوانب تتعلق بالبيئة التي ينشأ فيها كل منهما، وأدواته الفكرية، والمشاكل التي يواجهها، والطريقة التي يتفاعل بها مع العالم المحيط.

المثقف المقيم :

المثقف المقيم هو الشخص الذي يعيش ويعمل ضمن حدود وطنه أو مجتمعه، ويعكس ثقافة هذا المجتمع ويعبر عن قضاياه. يتركز عمل المثقف المحلي على فهم مشكلات مجتمعه والسعي لحلها، سواء كانت هذه المشكلات اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية. في هذا السياق، ينظر المثقف المحلي إلى تاريخه وثقافته الخاصة ويستنبط من تلك الخبرات طرقًا للنهوض بالمجتمع وتحقيق تقدمه. المثقف المقيم يعكس في كثير من الأحيان تطلعات شعبه وهمومه اليومية. قد يكون جزءًا من الحركات الاجتماعية أو السياسية التي تسعى إلى التغيير، سواء من خلال الكتابة أو الفن أو العمل المدني. مثال على ذلك، يمكننا أن نجد العديد من المثقفين في العالم العربي الذين تناولوا قضايا الفقر، والظلم، والحروب، والتعليم في كتبهم ومقالاتهم.

التحديات التي يواجهها المثقف المحلي:

تتنوع حسب البيئة التي يعيش فيها. من أبرز هذه التحديات:

1. القيود السياسية والاجتماعية: قد يواجه المثقف المحلي تحديات تتعلق بالحرية الفكرية، خاصة إذا كان يعيش في مجتمع يقيد التعبير عن الرأي أو يفرض رقابة على الأفكار.

2. الافتقار إلى الدعم المؤسساتي: في بعض البلدان، يواجه المثقف المحلي صعوبة في الحصول على التمويل أو الدعم المؤسسي لإنتاج أعماله الثقافية والفكرية.

3. التحديات الاقتصادية: في بيئات فقيرة أو ذات موارد محدودة، قد يضطر المثقف المحلي إلى البحث عن وسائل بديلة لنشر أفكاره، مثل وسائل الإعلام البديلة أو النشر الرقمي.

المثقف المغترب :

من ناحية أخرى، يشير المثقف المغترب إلى الشخص الذي يعيش خارج وطنه الأصلي، سواء بسبب الهجرة، أو اللجوء، أو البحث عن فرص أفضل للعمل والتعليم. ويختلف المثقف المغترب عن المثقف المحلي في العديد من الجوانب الجوهرية. ففي حالته، لا يتوقف دوره على القضايا المحلية فحسب، بل يمتد ليشمل قضايا الهوية، التكيف مع البيئة الجديدة، والشتات الثقافي، كما يتعامل مع تساؤلات حول انتمائه لوطنه الأم وموطنه الجديد.

جسر بين ثقافتين

المثقف المغترب غالبًا ما يكون جسرًا بين ثقافتين: ثقافة وطنه الأم والثقافة التي يعيش فيها الآن. هو شخص يحمل معه تجربة الاغتراب والتجارب الذاتية التي قد تكون مليئة بالمرارة والآلام، لكنها في الوقت نفسه غنية بالفرص والتنوع الثقافي. وقد يساهم المثقف المغترب في تقديم رؤى جديدة حول التعددية الثقافية، كما يسعى إلى فهم التحديات التي تواجه المجتمعات المهاجرة أو الأقليات في الدول المستضيفة.

التحديات التي يواجهها المثقف المغترب : تتنوع، ومن أبرزها:

1. الهوية المزدوجة: يجد المثقف المغترب نفسه أحيانًا في حالة من الضياع بين ثقافتين مختلفتين. قد يواجه صعوبة في تحديد مكانه في العالم وبين هويتين متناقضتين، وهو ما ينعكس على عمله الفكري.

2. الاغتراب الثقافي: التفاعل مع ثقافة جديدة قد يجلب معه شعورًا بالانعزال، وفقدان الإحساس بالانتماء، وهو ما قد يؤثر على الإنتاج الفكري للمثقف المغترب.

3. الترجمة والتواصل بين الثقافات: قد يصعب على المثقف المغترب توصيل أفكاره بشكل واضح إذا كانت هناك فجوات لغوية أو ثقافية كبيرة بينه وبين جمهور المستمعين أو القراء.

التفاعل بين المثقف المحلي والمثقف المغترب :

في عالم العولمة اليوم، يشهد التفاعل بين المثقف المحلي والمثقف المغترب اهتمامًا متزايدًا. فالمثقف المغترب قد يتأثر بالمحيط الذي يعيش فيه ويكتسب رؤى جديدة، بينما يسعى المثقف المحلي إلى الحفاظ على تراثه الثقافي وتطويره. هذا التفاعل يمكن أن يسهم في تجسير الفجوة بين الثقافات المختلفة وفتح آفاق جديدة للتفاهم المتبادل.

مثال على هذا التفاعل هو ظهور المثقفين العرب في الشتات الذين يكتبون عن تجاربهم كلاجئين أو مهاجرين، ويربطون بين معاناتهم وحاجات المجتمعات المحلية. هؤلاء المثقفون المغتربون يعكسون العديد من قضايا الهويات المتعددة والتمزقات الثقافية، ويثرون الحوار الفكري في بلدانهم الأصلية وبين دول المهجر.

وخلاصة القول : يظل كل من المثقف المقيم والمثقف المغترب فاعلين أساسيين في مجتمعاتهم، على الرغم من اختلاف البيئات التي يعملون فيها. يمكن أن يكون للمثقف المقيم تأثير مباشر على تطور وطنه من خلال معالجته لمشكلات محلية، بينما يمكن أن يقدم المثقف المغترب رؤى جديدة حول قضايا الهويات الثقافية والاغتراب والتعددية. وفي عالم يتسم بالعولمة وتزايد الهجرة، يظل الحوار بين هذين النوعين من المثقفين أحد الوسائل الأساسية لبناء جسور التفاهم والتقدم الفكري

وزير الثقافة والسياحة والاثار


مشاهدات 52
الكاتب احمد فكاك البدراني
أضيف 2025/10/11 - 1:13 AM
آخر تحديث 2025/10/11 - 6:53 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 205 الشهر 7008 الكلي 12146863
الوقت الآن
السبت 2025/10/11 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير