الحسان دبلوماسية تفتح الأبواب
علي حسين الكعبي
حين نتأمل مسار بعثة الأمم المتحدة في العراق خلال السنوات الماضية، ندرك أن حضورها لم يكن دائماً محل ترحيب أو ثقة كاملة من الشارع أو المؤسسات. غير أن وصول الدكتور محمد الحسان إلى موقع الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة ورئيس بعثة الأمم المتحدة في العراق (يونامي)، شكّل نقطة تحول مهمة، إذ بدا الرجل مختلفاً في أسلوبه، أكثر قرباً من العراقيين، وأصدق في خطابه، وأوضح في أهدافه.
الحسان لا يطل من بعيد ولا يكتفي بالبيانات، بل يذهب مباشرة إلى قلب المؤسسات العراقية، يلتقي القضاة، يناقش المفوضية، ويتحدث مع المسؤولين بلغة يفهمها الجميع: لغة الشراكة. ففي لقائه الأخير مع رئيس مجلس القضاء الأعلى، القاضي فائق زيدان، لم يكن الحسان مجرد ضيف دبلوماسي، بل بدا كأنه يجلس إلى جانب حارس العدالة العراقية ليؤكد أن الأمم المتحدة ترى في القضاء ركيزة أساسية لاستقرار الدولة وضمان نزاهة الانتخابات. كانت جلسة تحمل الكثير من الاحترام المتبادل، ورسالة مفادها أن العراق قادر على حماية مؤسساته بقوة القانون، وأن المجتمع الدولي مستعد لدعمه في ذلك.
ولم يقف الحسان عند هذا الحد، بل واصل انفتاحه عبر لقاء مع المفوضية العليا المستقلة للانتخابات. هناك، أكد أن بعثة يونامي لن تكون مجرد مراقب خارجي، بل سند حقيقي يقدم المشورة الفنية والدعم اللوجستي لضمان انتخابات نزيهة وشفافة. حديثه عن الانتخابات لم يكن تقنياً فحسب، بل مشبعاً بالحرص على تعزيز ثقة العراقيين بالعملية الديمقراطية، وهي الثقة التي تحتاجها البلاد في كل استحقاق انتخابي مقبل.
اللافت أن الحسان يتحدث بواقعية بعيدة عن الخطابات المنمقة. هو يدرك أن العراقيين تعبوا من الشعارات، لذا يحاول أن يظهر عملياً عبر خطوات ملموسة. لقاءاته الأخيرة تعكس نهجاً يقوم على الوضوح والصدق، ويضع الأمم المتحدة في خانة “الشريك” لا “الوصي”. وهذا وحده كفيل بتغيير الصورة الذهنية التي ارتبطت أحياناً بعمل البعثات الأممية في المنطقة.
اليوم، يبدو أن الدكتور محمد الحسان قد نجح في إعادة تعريف دور يونامي في العراق. لم تعد مجرد بعثة تتابع من الخارج، بل صارت حاضرة في قلب الملفات الكبرى، من استقلال القضاء إلى نزاهة الانتخابات. وبذلك، أعاد الثقة في جدوى العمل الأممي، وأثبت أن الأمم المتحدة قادرة على أن تكون صوتاً داعماً للعراقيين لا بديلاً عنهم.