الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الضربة الإسرائيلية في الدوحة كسر قواعد اللعبة أم فخّ دبلوماسي؟

بواسطة azzaman

الضربة الإسرائيلية في الدوحة كسر قواعد اللعبة أم فخّ دبلوماسي؟

نوري جاسم

 

في التاسع من أيلول 2025 م، نفّذت إسرائيل هجومًا دقيقًا استهدف قادة من حركة حماس داخل العاصمة القطرية الدوحة، في عملية وُصفت بأنها الأخطر خارج نطاق الصراع التقليدي بين الجانبين. الضربة التي وقعت في وضح النهار، وأسفرت عن مقتل عدد من مرافقي القادة، بينهم ابن القيادي خليل الحية وعنصر أمن قطري ومدير مكتب الحية وثلاثة مرافقين، حيث شكّلت منعطفًا استراتيجيًا في سلوك إسرائيل العملياتي، ورسالة حادة لا تقل فتكًا عن الصواريخ نفسها. العملية لم تكن عشوائية ولا ظرفية. كانت قيادات حماس في قلب مفاوضات وصفتها المصادر المطلعة بأنها “حاسمة”، تقودها الولايات المتحدة بوساطة قطرية وبتنسيق مصري ضمنيًا. ان اختيار التوقيت والمكان لا يمكن تفسيره إلا بمحاولة إسرائيلية مدروسة لتقويض المفاوضات، أو على الأقل لإعادة تشكيلها بما يتناسب مع أهدافها الأمنية والسياسية. قادة حماس لم يكونوا في مهمة عسكرية، بل كانوا يشاركون في نقاش حول مقترح لوقف إطلاق النار، ما يجعل من استهدافهم داخل قطر دليلاً على أنّ إسرائيل قررت تجاوز الأطر الدبلوماسية والقيود الدولية، لتعيد التأكيد على أن أمنها لا يخضع لأي تفاهم أو حصانة. لكن ما الذي يدفع إسرائيل لمثل هذا التصعيد خارج حدود غزة؟ من الواضح أن تل أبيب أرادت أن توصل رسالة قاطعة: لا ملاذ آمن لأحد، حتى في قلب العواصم التي طالما اعتُبرت خارج قواعد الاشتباك. فبعد شهور من الضغط الدولي، وحصار سياسي، وخسائر عسكرية متصاعدة، تريد المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تحقيق نصر استعراضي، أو على الأقل خلق صورة تزرع الشك في نفوس القادة البعيدين عن ساحة المواجهة المباشرة. الرسالة لم تكن لحماس فقط، بل لقطر، وللولايات المتحدة، ولكل من يعتقد أن السياسة والدبلوماسية قادرة على تقييد الغريزة الأمنية الإسرائيلية. والضربة حملت تبعات فورية وواسعة. قطر، التي استضافت قادة حماس منذ سنوات، وجدت نفسها في قلب الاستهداف، بصفتها راعية أو طرفًا، وساحة للضرب. وان انتهاك سيادة قطر بهذا الشكل الصارخ مثّل اختبارًا لعلاقاتها مع إسرائيل من جهة، ومع الولايات المتحدة من جهة أخرى. إدانات صدرت سريعًا، لكن الردّ العملي ظل مرهونًا بالتوازنات الدقيقة التي تحكم السياسة القطرية في الإقليم. هل ستتخذ الدوحة خطوات حازمة؟ أم ستكتفي بالإدانة وتكثيف الضغوط الدبلوماسية؟ سؤال لا يزال معلقًا. واللافت في المشهد هو موقف تركيا. أنقرة، الحليف السياسي والعقائدي لقطر، دخلت سريعًا على خط الأزمة. تصريحاتها لم تكن رمادية، بل وصفت الضربة بأنها تبني للإرهاب كسياسة دولة، واتصال الرئيس رجب طيب أردوغان بأمير قطر لم يكن مجرد تضامن، بل خطوة تشير إلى تنسيق سياسي وأمني واسع. تركيا، التي لطالما احتضنت رموزًا معارضة للسياسات الإسرائيلية، ترى في العملية تهديدًا مباشرًا لمنظومة الحماية السيادية التي تعتمدها، ما يجعل ردّها ليس فقط أخلاقيًا أو تضامنيًا، بل أيضًا استباقيًا لحماية نفسها من استهداف مماثل مستقبلاً.

الضربة كشفت أيضًا هشاشة منظومة الوساطة الدولية. فإذا كانت قطر، بكل ما تمثله من علاقات استراتيجية مع واشنطن وتوازنات مع أطراف الصراع، لم تُحصّن من الاستهداف، فكيف لبقية الأطراف أن تواصل دورها بثقة؟ إسرائيل، بما فعلته، تقوّض آليات التفاوض من الأساس، وتزرع الشك في جدوى المسارات السياسية، خصوصًا إذا كانت نهايتها قد تكون صاروخًا في فندق فاخر، أو قنبلة موجهة بدقة نحو طاولة مفاوضات. وتداعيات الحدث لا تقف عند لحظة الانفجار. حماس نفسها باتت مطالبة بإعادة النظر في تموضع قيادتها السياسية. القاعدة القديمة التي تقول إن الخارج آمن قد سقطت. كل عاصمة باتت مكشوفة، وكل غرفة مفاوضات قد تتحول إلى مسرح اغتيال. هذا سيغيّر طبيعة الحركة، وقد يدفعها نحو خيارات أكثر سرّية، وربما نحو تفويضات جديدة لقادة ميدانيين بعيدين عن الاستهداف المباشر. وفي ذات الوقت، قد تزيد الضغوط على الدول التي تستضيفهم، وتحديدًا تلك التي تحاول لعب دور الوسيط النزيه. وأبعد من ذلك، الضربة تفتح بابًا لسؤال أكبر: هل دخلنا مرحلة “عولمة التصفيات”؟ إذا أصبحت العواصم غير محصنة، وإذا استطاعت دولة مثل إسرائيل تنفيذ هجمات في عقر دار حليفٍ استراتيجي للولايات المتحدة، دون ردود فعل حقيقية، فإن ذلك يؤسس لسابقة خطيرة. لن تعود أي عاصمة خارج اللعبة، ولن تعود أي دولة قادرة على ضمان الحماية لمن تستضيفهم، سواء كانوا قادة مقاومة، أو حتى معارضين سياسيين لأنظمة أخرى. وفي التحليل النهائي، الضربة لم تكن فقط اغتيالًا ميدانيًا، بل محاولة لاغتيال الثقة في السياسة الدولية. وهي امتحان حقيقي لكل من يدّعي أنه طرف نزيه في معادلة الشرق الأوسط. على قطر أن تراجع حساباتها، وعلى تركيا أن توازن بين المواقف المبدئية والمصالح المتشابكة، كذلك وعلى مصر والامارات والسعودية دراسة كل شيء بحذر، وعلى العالم أن يقرّر: هل ما حدث في الدوحة هو حادث استثنائي؟ أم بداية لمرحلة جديدة، أكثر خطورة، وأكثر جرأة، وأقل احترامًا لكل ما تبقى من شرعية دولية؟

اللهم صل على سيدنا محمد الوصف والوحي والرسالة والحكمة وعلى آله وصحبه وسلم تسليما .

 

 


مشاهدات 98
الكاتب نوري جاسم
أضيف 2025/09/13 - 12:07 PM
آخر تحديث 2025/09/13 - 2:41 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 467 الشهر 9063 الكلي 11926936
الوقت الآن
السبت 2025/9/13 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير