الذكاء الاصطناعي والصحافة من جمع البيانات إلى صناعة الإبداع
فاتن يوسف
شهدت صناعة الإعلام تحولاً جذرياً في السنوات الأخيرة بفعل تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي، التي أصبحت جزءاً أساسياً من أدوات الصحفيين في جمع المعلومات، وتحليل البيانات، وتوليد المحتوى. ومع ذلك، يُطرح سؤال : هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحل محل الصحفي البشري، أم أنه مجرد أداة تدعم قدراته وتساعده على أداء مهامه بمهنية واحترافية؟
تشير التقارير إلى أن نحو 53 بالمئة من الصحفيين يستخدمون أدوات الذكاء الاصطناعي في أعمالهم، بينما يخطط 14بالمئة آخرون لبدء استخدامها في المستقبل القريب. وفي الوقت ذاته، يُعبر 59 بالمئة منهم عن قلقهم من احتمال استبدال المؤسسات لهذه الوظائف بالتقنيات الذكية، لا سيما في مجالات تحليل البيانات، ومونتاج الفيديو، وصناعة الغرافيك.
على الرغم من هذه المخاوف، تُظهر الدراسات أن الذكاء الاصطناعي يُسهم بشكل ملموس في تعزيز كفاءة العمل الصحفي، مع صعوبة الاستغناء عن الخبرة البشرية. فهو يساعد الصحفيين على تحليل البيانات، وتوليد المحتوى الآلي، وتحرير النصوص، واقتراح سيناريوهات للعمل، وإنتاج صور وغرافيك، مما يتيح لهم التركيز على الجوانب الإبداعية والتحليلية في عملهم. وبذلك، تسهم أدوات الذكاء الاصطناعي في زيادة إنتاجية الصحفيين، إذ أظهرت الدراسات أنها تقلل الوقت المستغرق في أداء المهام الروتينية بشكل كبير، على سبيل المثال، يمكن للصحفيين استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي لتحويل المقابلات الصوتية إلى نصوص مكتوبة في وقت قياسي، ما يوفر وقتاً ثميناً للصحفي يمكن استثماره في تحليل محتوى المقابلة واستكمال عناصر التقرير. كما يتيح الذكاء الاصطناعي تحسين جودة المحتوى عبر تحليل البيانات الضخمة واستخلاص الأنماط والاتجاهات، ما يساعد في إعداد تقارير دقيقة وموثوقة، مبنية على الأدلة. ويشمل ذلك تحسين النصوص من خلال التدقيق اللغوي، وصقل الأسلوب الكتابي، وربما اكتشاف زوايا ومعلومات لم يتنبه لها الصحفي سابقاً.كما توفر أدوات الذكاء الاصطناعي فرصة لتحليل تفاعل الجمهور مع المحتوى المنشور، مما يمكّن الصحفي من تخصيص المادة بما يتناسب مع اهتمامات القراء، بالإضافة إلى إمكانية إنشاء محتوى تفاعلي مثل الاستطلاعات والاختبارات التي تشجع الجمهور على المشاركة والتفاعل.
لمسة انسانية
ومع الفوائد العديدة التي تمنحها هذه الأدوات، يواجه الصحفيون تحديات مهمة. فالإفراط في الاعتماد على التكنولوجيا قد يؤدي إلى فقدان اللمسة الإنسانية في المحتوى، مما يقلل من جاذبيته ومصداقيته. كما تطرح هذه التقنية تساؤلات أخلاقية حول الخصوصية والشفافية، خصوصاً فيما يتعلق باستخدام البيانات الشخصية للقراء. إضافة إلى ذلك، تتطلب أدوات الذكاء الاصطناعي مهارات تقنية متقدمة، ما يجعل التدريب المتواصل للصحفيين ضرورة لا غنى عنها.وفي العالم العربي، شهد استخدام الذكاء الاصطناعي في الصحافة نمواً ملحوظاً، خاصة في مجالات تحليل الأخبار، وترجمة المحتوى، وإنتاج مواد مخصصة لفئات محددة من القراء. ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات تتعلق بنقص التدريب، والبنية التحتية التقنية اللازمة، والتي يجب أن توفرها المؤسسات الإعلامية بأعلى مستوى للحصول على أفضل النتائج. إن استثمار أدوات الذكاء الاصطناعي في العمل الصحفي لا يعني الارتهان التام لها، بل يتطلب إيجاد توازن دقيق بين الاستفادة من التطور التقني والمجهود الشخصي للصحفي، الذي يعكس خبرته المتراكمة، وثقافته العامة، وأسلوبه الخاص، ولغته السليمة، لتبقى بصمته الإبداعية هي المسيطرة على نتاجه الصحفي.