اللغة السائدة في حوار الصراع السياسي خلال عقدين
فاضل ميراني
غيري و انا، نتفهم وجود صراع سياسي، و نفسره، لكنني لا ابرر كثيرا منه، سيما و ان كثيرا من الصراع هدفه- كما ثبت- ليس مصلحة العراق، ولمعرفة مصالح العراق لابد من مراجعة مواد دستوره، اقول ذلك حتى لا يظن المتابع اني ادفعه لصور في العدم.
توجد داخليا ثلاث بيئات تغذي الصراع، ولها تفرعات تخبو و تظهر، واحيانا تكون هذه التفرعات في لغة الصراع هي التي تنوب عن بيئتها لبث خطابها بحسب المصلحة.
ليس سرا ولا يجب ان يكون سرا، اننا نحن الكورد تجمعنا مع الشيعة العرب في العراق، مجتمعيا و سياسيا مظلومية و غبن وجرائم وقعت و تسلسلت و امتدت، لكن تحميل البيئة السنية مسؤولية فعل آخرين هو نسف لابسط و ادق مفهوم للعدالة و للقانون الموفق في التشريع، فالجريمة شخصية، و يمكن تجريم نظام بالمسؤولية عن افعال موظفيه او / و مؤوسسته المدانة، والا فليس من الحكمة و المنطق السليم توجيه شحنات المظلومية لتكون مكاسب غير عادلة او مظلة انتقام، اذ ان ذلك سيكون دافعا لردات فعل- وقد حدثت- تهدد- وقد هَدَّدَتْ- السلم المجتمعي و مشروع الدولة.
حق عام
سيحين يوم تراجع فيه اجيال اعمالنا في العراق، ونحن مطالبون من حيث المسؤولية ان لا نخفي او نقتطع الحقائق او نخفيها، فهذا حق عام.
ليس الماضي المعارض للفرد او الجماعة اي جماعة كانت حصانة من الخطأ او الجرم لا خلال العمل المعارض و لا بعد الوصول للسلطة او الاعتزال، وان كان ثمة صمت عن قسم من الناس اتت مثل هذه الافعال فذلك لتضخم الذاتية على الموضوعية.
حاضر الشعوب يصنع مستقبلها، و الاضرار عمدا بمصالح الشعوب لا يصح معه الركون للتبريرات، تبرير القتل بعدة جمل من كلام، تبرير الفقر و الافقار بشكوى و تبروء في كتاب مذكرات او لقاء صحفي، والامر ينسحب على كل ملفات النظام السياسي، النظام الذي يفترض به انه مقيد بدستور و قوانين و انظمة، ويفترض بخططه و ممارسته للعمل انه تحت يمين مؤدى و امام مسؤوليات يواجه في حال اخلاله بها بمواد قانونية تسري على الشخصية المعنوية مسراها على الشخصية الطبيعية، ولذا فالشخصية المعنوية للحكومة العراقية قبل 2003 تمت ادانتها بغزو الكويت و ترتبت عليها عقوبات و منها التعويضات.
كلنا كنا ايام العمل المعارض نرفض لغة الحوار المعاند و المتعنت للنظام السابق، و نرفض افعاله، ونعزوها لفكره السياسي غير المُقِر بالواقع و لا المستوعب لما يجب ان تكون عليه لغته و افعاله.
ثمة تعريف مبسط سلس و قانوني لحدود الحرية وهو: تنتهي مساحة حريتك عن بدء مساحة حرية الاخر. تماما مثل السياج بين المنازل.
لا اريد المقارنة بنماذج الصراع في اوروپا، بل بطبيعة و حجم الصراع الذي لم يكن بهذا الحجم و العدائية في الداخل العراقي قبل 2003 داخل بيئات المجتمع العراقي.
ليس صدقا ان العراق كان خاليا من الطائفية حتى في القرن الاول الهجري، لكن ذلك ليس هدفا يخدم قيام دولة صالحة لعيش المواطن، و الا فأن ثنائية الحاكم الجائر و الامة المقموعة ستبقى تنتج الجور و القمع، وبين قطبي هذه الرحى ينسحق كل شيء..ثمة سؤال مهم: هل الصراع هدفه خدمة الفرد الاعتيادي، ام خدمة فرد بذاته؟
الارض ارض العراقيين، و العراق بلد متعدد الاعراق، و الاموال اموال العراقيين، اذ لم نقرأ او نسمع و لا يمكن ان نصدق ان حاكما انفق على شعوبنا من جيبه.
سحب فكر فئوي يخص افراد بيئة ما ليكون فرضا على الاخرين حتى و ان حدث فنتائجه كارثية، بخاصة اذا سبق ذلك الفرص استعداء و تهديد، بل و توظيف صلاحيات المناصب لتلك الخطوات، ولم يخلُ فاعل هذه الامور من احتجاز و حيازة مكتسبات له هي ليست من حقه حتى وان لم ترصدها عين او سكت عنها ساكت مهمتة الفانونية تمنع عنه السكوت.
ان ما جرى و يجري خلال السنوات العشرين ونيّف و ان ظهر انه اشبه بالعبث الا انه في الحقيقة ليس عبثا ابدا، اذ انه من المعيب تكليف فرد او جماعة بواجب رسمي لتكون النتائج عبثا.
هناك تحديات و الوان حمر كثيرة تمثل تهديدا وجوديا لكل العراقيين، ملفات: المياه، التلوث، المخدرات، الجريمة بكل اشكالها واتساع حدوثها، الاستقلال و التبعية، التداخل بين الحزبية و الحكومية، تحديد سقف للحساب يمتد للفرد المستقل او الضعيف السند الحزبي و السكوت عن القوي، وغير ذلك من ملفات منشابكة و كثيرة.
امام كل هذا الخطر، تجد لغة صراع سائدة، لغة يفهم منها ان الادارة التنفيذية ادارة تقاسم لا ادارة تنوع، ادارة تجميع لا ادارة شراكة، بل و يفهم منها ان قوى بذاتها كانت غايتها السلطة فقط وان اعتراضها السابق هو بسبب انها هي ليست في السلطة!.
علاقات داخلية
شخصيا تربطني مثلي مثل غيري علاقات داخلية اجتماعية مع عراقيين من البصرة صعودا الى آخر ابعد قرى كوردستان ومن القائم الى ديالى، فأنا مواطن اتواصل و اسمع و احلل و اقارن، ومن حقي ان استشرف المستقبل في ضوء مقدمات الحاضر، فكيف و قد كنت شاهدا على بدايات الصراع منذ الصبا.
لا اريد ان اصدق ان بناء هوية مواطنة نقية عراقية صارت مستحيلة، فالعراقيون بكل قومياتهم و اديانهم و معتقداتهم اصحاب حضارة و سَبْق، وان سحبهم لوجود حاجة في كثير منهم للمعيشة نحو مشاريع تفتيتية جريمة بحق دستور يضفي الشرعية على العمل، وهذه خيانة للدستور.
ان لغة الاستعداء الطائفي تشبه وضع و توقيت قنبلة في منزل العائلة، ومثلها لغة الرد بالمقابل في مضمون ان طائفة بذاتها ليس تصلح للحكم، اذ ان الجامع لشكل و مضمون الحكم هو الدستور و ليس دساتير اخرى موادها صراع التاريخ السياسي و الطائفي.
ان هذا الصراع الذي لم يدخر دما و لم يدخر سلاحا و لا مالا الا و دفع به لمعارك ليست في صالح بلادنا قد جلب من الويلات ما يصعب جبره، فالكورد ليسوا في عداوة مع غيرهم و لا يصح ان يتحرك اخوة الوطن لخلق عداوات و عدم ثقة مسبق مع الاخرين.
ان الجرم الاكبر هو سحب الصراع السياسي على التحشيد المكوناتي، وخلق بيئة منغلقة مقسمة لا يحفل بها الجار بالحريق بمنزل جاره، فكيف ان كان مشعل النار هو الجار نفسه؟
راجعوا لغة الحوار الذي ظهر للعلن و اشاعته وسائل الاعلام التقليدية و برامج التواصل، و قارنوها بالخطاب الاجتماعي الذي تذكرونه او سمعتم به، ذلك الحوار الذي يفصل بين المجتمع و الصراع الفكري، ذلك الحوار الذي يحفظ الخصوصية و يمنع التعرض للسلم الاجتماعي و ستجدون المنحدر الذي دُفِع له الالوف وصعوبة انقاذهم.
ان المسؤولية السياسية و التشريعية و التنفيذية لابد لها من العجل في مراجعة نفسها ودون تأخر، و الا فالخسارة اول ما تبدأ في انعدام الثقة و لا يمكن التنبوء الى اين ستنتهي.
□ مسؤول الهيئة العاملة للمكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني.