نفحة من دفتر النقل العام
علي السوداني
حدث هذا المصاب الجلل مرات كثيرة أكون فيها قد فزت بمقعد منفرد بسيارة نقل من الصنف الكبير . قبل أن تبدأ الرحلة بنفرين أتاني أمر ملفوظ بصيغة رجاء يابس بأن أتخلى عن مقعدي لصالح امرأة في أول الصبا أو بباب الأربعين.
ستكون الواقعة مؤسفة ومكدرة إن كان كرسيك الجديد يقع ضمن خريطة المقاعد المتقابلة حيث المسافة بينك وبين الكائن المزروع بقوس الوجه قصيرة جداً ، تكاد الركبة فيها تضرب الركبة ودرجة النظر بينكما تسمح له بأن يقنص شعرة هاربة من خشمك ، والدوس على بوز حذائك اللماع ، وقد يتطور غرور هذا الوغد فيفتح معك حواراً مفخخاً يبدأ بمسببات التبدل المناخي وبشتيمة عالية للحكم الذي ظلم ريال مدريد البارحة ، ويواصل افتراسك حتى يفتح معك باب النصح والحكمة المتداولة بعدم شرب اللبن بعد أكل السمك .
أما المرأة الأربعينية التي استوطنت كرسيي الثمين فكانت حريصة على جعل رأسها متجهاً نحو زجاجة تقوم بمهمة تبديل المناظر لطريق صار طويلاً هذه المرة .
حاولت إغماض عيني كي أوحي للفتاك الملسون بأنني على بعض قيلولة ، لكنه عاجلني بسؤال مركب ومخلوط يشبه إلى حد بعيد تلك الأسئلة التي يطرحها مذيع التلفزيون الغبي الشرس على ضيف عالم ، فيتلعثم الضيف وينزعج ليبدو جاهلاً وليصير تالياً فرجة بدون فلوس .
السائق ومعاونه منشغلان بحديث البانزين ، والمذياع يبث أُغنية صاخبة مثل نشيد حرب .
جليسي هدأ وأسلم أمره إلى الرب القدير لأنه لم ينجح في تحويلي إلى مصاصة حديث .
أفكر منذ الآن بطريقة آمنة للعودة .