الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
قراءة في دراسة شخصية الفرد


قراءة في دراسة شخصية الفرد

لطيف دلو

 

القراءة غذاء الروح وشريان العلم والمعرفة وتصقل شخصية الفرد فهي كالسكين ذو حدين فمن يتبع قراءة الكتب الادبية والعلم والمعرفة والقصص والروايات عن المروءة وعمل الخير والسمات الانسانية حتما يكون لها تأثير على شخصيته ومن يتابع قراءة الكتب عن الفساد والشعوذة والاستحواذ والكذب والسحر والدجل يكون لها تأثير على شخصيته سلبا وإن كان قاصدا فك الغازها او معرفة اسرارها للخلاص من شرورها إلاّ نادرا وذا شخصية رصينة ، هذا ما يوحي الينا منطق العقل وعندما قرأت كتاب (شخصية الفرد العراقي ) للدكتور على الوردي كنت اعرف الكثير منها من حيث عاصرتها او سمعتها سابقا ولربما اكثر ومنها لا يمكن ذكرها هنا لخضوعنا للاداب الاجتماعية وذكر الكاتب قسم منها ولكن لم تخاطرني يوما إلا بعدما قرأتها في هذا الكتاب واليكم مقتطفات منها بما تحاكي وضعنا الحالي من القتل والنهب وعدم الامان والاستقرار جراء التعصب القبلي والقومي والديني والطائفي على ارض الخير والعطاء وإليكم منها

في مستهل كتابه وجد بأن عبد الرحمن بن خلدون اختلف عن غيره من القدماء أن يدرس شخصية الانسان على اساس الحقيقة الراهنة وليس الموعظة والارشاد على إن البدو بطل شجاع وفاتح وهو ابيّ للضيم وحام للجار وهذه الصفات لا تتلائم مع العلم والصناعة وفنون العمران وإن الشخصية الانسانية على انماط شتى ، وإن الانسان لايستطيع أن يكون محاربا باسلا وطالبا للعلم في أن واحد وتطرق الكاتب الى إن المحيط الاجتماعي له تأثير فعال على شخصية الفرد فنجد شخصا قد ورث في تكوينه عوامل تدعوه الى الغضب وسرعة الاعتداء ولكن عاش في جماعة تكره هذه الصفة فيه فيحول طبيغته الى مجر أخر ويصبح بتأثير بيئته خانعا بكاءا ودون إيذاء احد ولربما يوجد شخصا ذكيا مفرطا وهو يعيش في مجتمع لا يقدر الذكاء ويقدر ضخامة الشخص البدنية وشدة بأسه ويصبح الذكي خاملا لا ينتج من العلم شيئا وينزوي عن الناس ويكره نفسه ولربما شخصا يصاب بالصرع او بجنون خفيف في بعض المجتمات يصبح قديسا وفي الاخرى محجورا في الغرف المقفلة او في مشفى العقلية ، فهذه الحالات قد عاصرتها فعلا في مجتمعنا والغريب في الامرواحد منهم كان الناس يخافون منه ويلبون طلباته لا عطفا به بل خوفا من إنه يشور بهم في حين إنه لا يعلم من الدين والدنيا شيئا وشخص اخر مثله ينبذونه و يؤذونه ويطردونه بعيدا عنهم  .وعن الانسان القزم قد تطرق بأن القزم يميل الى الهندام والتباهي وحب الفتنة بسبب تأثير البيئة الاجتماعية عليهم ولو أنه نشأ في بيئة اكثر عطفا لكان في خلق اخر وأود ان ابين بأن بيئتنا لا تزال على حالها ولكن في دول كثيرة لا فرق بينه والاعتيادي في جميع النواحي .وعن وصفه للشخصية بأنها ميزة خاصة بالانسان وحده فالحيوان ليس له شخصية وكذلك الطفل عندما يولد وتنمو شخصيته حسب نموه وكبره في السن وتبدو في بعض الحيوانات كالكلب او الحصان او القرد بعض العلامات على وجود شخصية له وهي استجابات مكيفة وليست شخصية وإنها خاصة بالانسان وحده وهو المالك لتلك المزية النادرة ، قد تبدو لنا بأن موضوع الشخصية لها علاقة بنمو العقل كلما كان العقل راجحا اصبحت شخصية الفرد قوية ذات تأثير في المجتمع .

الجماعة المحيطة

إن النفس مرأة الغير كما وصفها الكاتب ينعكس عليها شعور الجماعة المحيطة بها وتحتوي على كثير العقد والتشوهات قد يكون احد الاطفال ذا عاهة واقع تحت رحمة اقرانه الاطفال ومعرضا لاستهانتهم وايذائهم وتكونت لديه عقدة من الصعب ازالتها وظهرت لديه مواهب عبقرية جعلته محترما مشهورا عند كبره ولكن لاحقته تلك العقدة فظل يستصغر نفسه ويراها موضع الاستهانة حتى إنه دخل مرة محفل عقد للاحتفال باختراع كبير له وعندما دخل القاعة سمع التصفيق والهتاف اثر دخوله القاعة التفت الى صديقه وقال له هل دخل ولي العهد ولماذا هذا الهتاف والتصفيق ، وهناك شخص اخرعندما يسمع الهتاف والتصفيق لولي العهد ظن بانه له ، وهنا يظهر تاثير المجتمع على شخصية الفرد سلبا او ايجابا كما حال الرقص في هذا المجتمع عيب وعار وفي الاخر من اجمل الفنون .

ومثل أخر طفل نشأ في بيت ثراء وشهرة موهوبا شيئا من صباحة الوجه وحسن القامة إضافة إلى جمال الملابس وحسن الهندام فتراه محفوفا بالاحترام بين اقرائه وابناء جيرته إضافة الى حب والديه ولايكاد ينازعه احد ويتهافت الناس الى مساعدته والوقوف الى جانبه ظالما او مظلوما في حين إن  شخصا بنفس المواصفات في اسرة فقيرة لايتعاملون معه بنفس الاسلوب وإن كان ذكيا وشاطرا ويقول الكاتب عن الفقر نفسه من اكبر عوامل الاجرام وضعفه أزاء الغني وقلة ناصريه في دوائر الدوله يؤدي به سريغا الى السجن بطابع الجريمة إذا أرتكب جنحة بسيطة قد تأخذ السلطة منه الحماس لحفظ الامن بينما تتغاضى عن الغني إذا ارتكب جريمة شنعاء لذلك يقال عند فقدان العدالة يصبح القانون كشبكة العنكبوت تمتص دماء الضعفاء وتتهرى تحت اقدام الاقوياء  وإن التغيرات السياسية التي حصلت في البلاد غيرت الكثير من شخصية الافراد لدى الناس، منهم كانوا من حثالة المجتمع قد اصبحوا اثرياء من خلال سرقة المال العام او الاحتيال وافراد وصلوا الى مراتب عليا في السلطة دون مؤهلات واناس دلالين للرشو اصبحوا قدوة المجتمع وتغيرت تعاملات الناس معهم وينظرون اليهم بالهيبة والوقار وفي الخفاء يوسمونهم بالخزي والعار  .وتطرق الكاتب الى التناقض في الشخصية بأن موسوليني كان يحكم ايطاليا بالنار والحيد ويسيره في البيت اصغر اطفاله وكثير من امثاله والانسان هو اجتماعي وغير اجتماعي ويرغب الخضوع لقواعد المجتمع ومن ناحية اخرى يثور عليها ويمكن القول بأن الفرد العراقي اكثر الناس حبا للوطن وتحمسا لخدمته ويسعى للتملص منها إذا آن الاوان واقيمت مرة حفلة للدعوة عن معارضة البضائع الاجنبية ولوحظ بان اغلب الخطباء كانوا يلبسون اقمشة أجنبية .ويقول الكاتب قد لانخطيء إن قلنا بأن العراقي يكون مترددا إذا واجه ماهو اقوى منه بينما يكون غضوبا إذا واجه ضعيفا وهذه الظاهرة موجودة في كل نفس بشرية ولكنها في النفس العراقية اقوى واوضح لان قيم البداوة والزراعة ازدوجتا في العراق منذ اقدم العصور ولا تزال تصطرع في النفوس حتى اليو م .ناء اهل العراق من الخلافة العثمانية عدة قرون وكانت الحكومة المركزية ضعيفة سيما في العهد الاخير لا تستطيع ان تحمي مظلوما ولا تردع ظالما وكان دأبها جباية الضرائب على حساب الضعيف والمسكين وادت هذه الحالة الى انتشار الاساليب العشائرية لحماية الارواح وضبط الامن وقد دعا هذا الوضع الى انتشار القيم البدوية في المجتمع العراقي بشكل فظيع فاصبح الفرد العراقي شديد التمجيد للقوة كثير التباهي متعصبا لمدينته او محلته كما البدوي لقبيلته في الصحراء ويقال بأن كثير من الرؤساء حاولون ان يكونون لصوصا يسطون على الدور ليلا او قتلة لكي يقولون عنهم (رجال الليل) لكي يحترمونه الناس ويخافونه وتراه نهارا يلبس الوقار والفضيلة ويذهب الى الجامع متعبدا راجيا العفوة والمغفرة ، كما اليوم الجامع يجمع بين الراشي والمرتشي في الصلاة .

وتطرق الكاتب الى اسلوب التربية في الكتاتيب التي كانت منتشرة في ارجاء العراق فالوالد الذي يأتي بطفله اليها يقول لشيخها هذا طفلي خذه وادبه واللحم لك والعظم لي ويفرض الشيخ فروضه المتعددة عليه ويجب ان ينكب على قرائته وكتابته قاطعا انفاسه ومضطرا ان يكظم غيضه الى ان ينهي المدة ومن ثم يخرج ثائرا متمردا ، يعتدي على هذا ويضر ذلك ليجد في ذلك تنفيسا عما الم به أثناء دراسته .

وعن الطبقة الحاكمة كتب إن الطبقة الافندية كانت موجودة في العهد العثماني باعداد قليلة متعالين على الشعب ويعتبرون انفسهم من غير صنف العامة ، اما بعد تشكيل الدولة العراقية بدأت الافندية بالتضخم على نطاق واسع تستوعب افرادا من ابناء العامة لم يكونوا يحلمون يوما ان يصبحون من الطبقة الحاكمة وإن الصعود المفاجيء نتج فيهم شعورا زائفا بالعظمة والعبرية فابن حمال وبقال يصبح ضابطا يأخذ له الجنود التحية في الشارع او موظفا صاحب الامر والنهي في اناس كان يعتبرهم قبلا من العظماء وإذا به يشعر بانه اصبح من اعظم العظماء والمؤسف ان الحكومة العراقية اضطرت عند تاسيسها الى تعيين كثير من الموظفين لا يستحقون في بلدان اخرى ككتاب عرائض ولذلك لم يهمهم معانات الشعب من الجوع والمرض والجهل وانشغلوا بتزيين شارع الرشيد لكي لا يتقزز منه السواح ، وهنا يعود التاريخ نفسه بعد قرن أبان سقوط النظام البائد في تشكيل الحكومة الجديدة من حيث تعين الموظفين وتاسيس الجيش الحديث وفق المحاصصة دون المؤهلات المطلوبة لكثير منهم ألهاهم شغف الثراء عن أداء واجباتهم كما مطلوب وادت الى مضاعفات جمة في اداء الحكومة .

تلك كانت مقتطفات من شخصية الفرد العراقي اخترتها من ذلك الكتاب كتبيان بان تلك الشخصية لم تتغير ولم تتأثر بمجريات الاحداث في عالم النهضة والتقدم وبقيت في كنف البداوة التي اكل الدهر عليها وشرب وجرت العراق الى كوارث أبان تشكيله والحكومات المتوالية فيه سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وستبقى الشخصية الفردية المترسخة في السلطة والمال بالاستحواذ بأي شكل من الاشكال وستبقى الاوضاع السياسية السائدة في البلاد كماهي  دون التوجه الى خلق هوية وطنية ودولة المواطنة والقانون .                              


مشاهدات 231
الكاتب لطيف دلو
أضيف 2025/08/09 - 12:52 AM
آخر تحديث 2025/08/09 - 3:39 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 520 الشهر 6440 الكلي 11401526
الوقت الآن
السبت 2025/8/9 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير