خصائص الخطاب الشعري في موسيقى الإنشاد الديني
انمار العمار
تُعد عملية أداء الخطاب و احدة من المهمات الاكثر صعوبة في عالم الانشاد الديني، فهي تتعلق بعدد من العوامل التي يؤدي كل منها دوره في تحديد ماهية العمل ونقله بصورته المثلى إلى المتلقي، وفي المناسبة الدينية المكان المخصص له، وحوله أو خَلفَهُ أثنان أو ثلاثة أفراد أو أكثر يتوسطهم المنشد الرئيس غالباً، الذي يطلق عليهم البطانة أو «المذهبجية» وقد يطلق عليهم الرداده لترديدهم الإنشاد في مقاطع محددة، لغرض إبراز وتأكيد مواضع معينة مما يؤدون، بعدها يستهل المنشد أو المداح، مطلع القصيدة مثلاً أو أي نمط ديني آخر في مقام معين، ويبرز مهاراته في التنقل إلى أن يستهل المُنشد مطلع القصيدة مثل المقامات القريبة منهُ بنوع من الرشاقة اللحنية في تجميل لحظات التنقل، وهو ما يطلق عليه العربُ، يبدع في أدائه في قوة وجمالية الصوت، كما يسعى المؤدي لتأكيد براعته في أداء الحليات اللحنية نغمات قصيرة المدة الزمنية تؤدى إضفاء الزخرفة إلى اللحن الرئيس، وفي الجزء التالي من القصيدة يؤدى في مقام آخر، حتى لا يصيب المتلقي الملل، كجانب وصفي . إن الوان الإنشاد الديني قد نشأت بين أوساط المتدينين وأصحاب الطرائق الصوفية، الذين استغلوا في الاغلب شكل الموال، وما يجده من قبول لدى المتلقين، حتى يضمنوه أفكارهم الدينية، وما يهدفون إلى أحداثه من تأثير في نفوس المتلقين، تميل اللغة إلى أن تكون فصيحة، فضلاً عن أن الشكل هو شكل الموال المعروف في المجتمع الشعبي، وهنا لابُدَ أن نجد مضمون نصوص الإنشاد الديني، ذات صلة وثيقة بالناس، لأنها تّعبر عن ما يعتنقه من معتقدات ترتبط بالدين الإسلامي وفضائل الرسول الأكرم، ولاسيما في طقس المدائح النّبوية التي تتضمن مدحاً وتغنياً بفضائل الخالق وهذا ما وجدَ في كتب المفسرين، التي نسجت حول النبي، لتقريب الحقيقة المجردة إلى نفوس المتلقين وعقولهم، فيتناقلونها وأصبحت بالنسبة لهم حقائق لا تقبل الشك، ومسلمات لا تتحمل الجدل أو النقاش فيها، وفي الصدد ذاته لم يقتصر الخطاب على مجرد ترديد شفاهي غير منظم بل نجد مواقع الجمال والتناسق في تلك الخطاب من خلال عدة خصائص وأهمها : الاعتماد على استعمال الإيقاع الداخلي للكلمة المؤداة، من خلال سلامة اتقان نطق الحروف.والاهتمام التلقائي المرتجل، والتعبير بمصداقية والإحساس العميق المرتبط بالمضمون التعبيري للنص الشعري.و استخدام أسلوب التلقين الشّفهي، حيث انتقلت ألحان الإنشاد الديني من جيل إلى جيل كتراث محلّي ثري.
فضلا على سلامة جهاز التنفس وكفاءته والتدريب على التحكم في النفس واختزانه من خلال احساسه بتنوع الدرجات الصوتية الخاصة بالمقام الموسيقي وخلاياه اللحنية . مع اكتمال المساحة الصوتية بمناطقها المختلفة، فتكون ذات لون صوتي واحد من خلال استعمال صحيح لمناطق الرنين في الجسم.
وبناءً على ما تقدم نستخلص أن خصائص بُنية الخطاب الشعري الذي يحمله محتوى الإنشاد الديني تبرز في خارطة الحضارة العربية والاسلامية، بعض جماليات بٌنية هذا الخطاب في أداء عدة ألوان إنشادية عبر المناسبات الدينية المتنوعة، التي تقع ضمن بعد أنثروبولوجي يعبر بموسيقاه وألحانه عن مشاعر الأنسان، وحاجته إلى الحرية في الإبداع، بكلماته وطقوسه واحتفالاته وصولاً إلى سلوكه الإنساني وعواطفه وفلسفته وطرق تفكيره، ومواقفه الحياتية الدينية والمدنية .
أما من جانب الخطاب الموسيقي الذي يتولد ضمن ممارسة الشعائر الدينية، نجد لعنصر الأداء تأثيراً واسعاً في موسيقى الإنشاد الديني بشكل عام، إذ يعدُ الجانب التأثيري المهم في المتلقي لأنه الروح المحركة للعناصر الأخرى من الناحية التكنيكية أو الجمالية أو التعبيرية والذّوقية، ويختلف الكثير في التعبير عن عنصر الأداء أو في تحديد تعاريفه، فأحياناً يكون مرتبطاً بعلم الجمال وأحياناً بروح العصر، والمجتمع والبيئة الناتج منها أو برشاقة الحركات للمصدر المنتج وهو فعل إنساني صادر عن وعي وادراك لإنجاز أي عمل إنشادي يُعزّز الهوية الثقافية والدينية، في المجتمع العراقي عامةً والبغدادي خاصة، ومن الجانب الفني ارتبطت مدرسة الإنشاد الديني في العراق ولاسيما في مدينة بغداد، بمدرسة غناء المقام العراقي من خلال علاقة تبادلية ما بين موسيقى النص الديني والدنيوي .