الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
انتخابات وديمقراطية مقيّدة

بواسطة azzaman

انتخابات وديمقراطية مقيّدة

أحمد فاتح محمد

 

بعد ما سُمّي بعملية تحرير العراق في عام 2003، أصبح موضوع الانتخابات بمثابة قضية جوهرية في العملية السياسية العراقية، بل وحتى بالنسبة للدول المجاورة. بالنسبة للعراق، كان من المهم للغاية أن نسأل: هل بإمكاننا بناء دولة ديمقراطية؟ أما بالنسبة لدول الجوار، فقد كان الأمر يتعلق بقدرتهم على بسط النفوذ وعلى هذا الأساس كانوا يتعاطون مع الداخل العراقي وهذه هي المعضلة الصعبة.

منذ عام 2005، شهد العراق عدة دورات انتخابية لكن ماذا لو طرحنا هذا السؤال: هل أحدثت هذه الانتخابات تغييرات حقيقية في العراق؟ وهل حققت الحياة الديمقراطية ومبادئ المواطنة في العراق أي تقدم حقيقي وملموس؟

إذا راقبت وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي في العراق، ستلاحظ أن الانتخابات غير قادرة  على إحداث التغيير الحقيقي وهي لا تستطيع ان تكون منقذا للفرد والمجتمع العراقي بقدر ما هي حلقة لتدوير الفشل المُستدام. الأحزاب السياسية في العراق استمرت في إنتاج نخب حاكمة تحت عناوين وشعارات برّاقة ليصبحوا نوابا ووزراء ومسؤولين في مناصب عليا من دون أن يتغير شيء في حياة المواطن وظروفه المعيشية التي بقيت متردية كما هي.

نفوذ المسلحين

من أبرز المعضلات التي يواجهها العراق اليوم أن معظم القوى السياسية الماسكة للسلطة، إن لم تكن جميعها، تمتلك أجنحة وتشكيلات مسلّحة. وكأن مرحلة "النضال المسلح" لم تنتهِ بعد. تاريخياً، لم تنجح الحكومات المتعاقبة في نزع السلاح من أيدي هذه الفصائل والتشكيلات، رغم كثرة الوعود.

ولهذا، حين تُجرى الانتخابات تحت رحمة السلاح، تصبح العملية برمتها محفوفة بالخطر. من هنا، غالباً ما نسمع أحاديث عن "التسويات" والتفاهمات"، وهي في حقيقتها لا تكرّس قواعد الديمقراطية، ولا تعزز ثقة الناس بالاقتراع، بل تسعى فقط لتقاسم الموارد والمكاسب بطريقة ترضي الجميع وتمنع الانفجار.

فأي ديمقراطية هذه التي تُمارس تحت تهديد السلاح أو بسطوة المال السياسي؟
 هذا لا يُعدّ تجسيداً للديمقراطية، لأن الفرد هنا لا يصوّت انطلاقاً من إيمانه بالصالح العام وبإرادة حرّة. كما كان يشخصها جان جاك روسو، في العقد الإجتماعي: "الديمقراطية لا تتجلى إلا حين يكون المجتمع قادراً على اتخاذ قراراته بحرية كاملة، ومن أجل المصلحة العامة."

الفراغ السياسي ومفهوم الشرعية

يقول توماس هوبز في كتاب اللفياثان إن "الدولة هي عقد اجتماعي بين المجتمع والسلطة، حيث توفر الدولة الأمن والاستقرار مقابل تنازل المجتمع عن جزء من حرياته." لكن في العراق، هذا العقد غير موجود من الأساس، لأن الدولة عاجزة عن توفير الأمن والاستقرار من خلال احتكار العنف وتطبيق القانون على المجتمع، مما أدى إلى انهيار الثقة بين المواطنين ومؤسسات الدولة.

هذا الفراغ السياسي أضعف العملية الانتخابية، إذ أصبحت عملية هشة، لأن ركائزها الأساسية غير مستقرة. فالدولة غير قادرة على ضمان حماية الناخبين وأصواتهم أمام نفوذ الجماعات المسلحة.

العراق يفتقر إلى نموذج الدولة الذي دعا إليه هيغل، حيث يجب أن تمتلك الدولة جيشاً وقضاءً وبيروقراطية قوية وفاعلة. لكن في السياق العراقي، هذا النموذج غائب، لأن الناخبين منقسمون ويعيشون ضمن اصطفافات طائفية ومناطقية تُضعف انتمائهم الوطني وتُقوّض أسس الديمقراطية.

معضلة الهوية الوطنية

الغائب في العراق، أو لعلّه ما غُيّب وأُقصي عمداً، هو تلك المساحة الفكرية الوطنية والديمقراطية الحديثة—فكرٌ يتجاوز الانقسامات القومية والطائفية والعرقية والمذهبية، ويسعى لبناء وعيٍ جمعيّ يعلو فوق الولاءات الضيقة ويمنح الهوية العراقية معناها المدني الجامع. فالعراق ليس كياناً متماسكاً، بل تركيبٌ مضطرب لا يجمعه مشروع وطني مشترك، ولا إرادة جمعية حقيقية. حتى القوى السياسية نفسها وُلدت من رحم الانقسامات العرقية والطائفية والمذهبية، وتشكّل خطابها السياسي والاجتماعي والفكري على هذه الأسس، لا على رؤية وطنية شاملة.

لذلك نرى أن حراك تشرين، هو الآخر، يعجز عن أن يكون حاملاً لهوية وطنية جامعة، الأمر الذي أوقع العملية الانتخابية في فخ أوهام سياسية مكررة. وهكذا تنحصر الانتخابات في نهاية المطاف في مجرد تقاسم للمقاعد، دون أن يترتّب عليها أي تغيير حقيقي في جوهر البنية الاجتماعية أو الفكرية القائمة.

الخطوة الأولى لتجاوز هذه المعضلات تكمن في أن تمتلك الدولة سيادتها الوطنية الكاملة، وذلك من خلال حصر السلاح بيد مؤسساتها الرسمية، و أن يكون للدستور والقانون والمحاكم سيادة حقيقية. يجب أن يكون الفضاء العام في العراق فضاءً مدنياً تتنافس في إطاره جميع القوى ضمن قواعد الديمقراطية. يمكن بناء هذا الفضاء المدني حين تتلاقى المكونات الاجتماعية والقومية والمذهبية في هوية وطنية جامعة، لا أن تنقسم إلى هويات متناحرة. فالديمقراطية في العراق ليست مستحيلة، لكنها تتطلب نضالاً وجهداً شاقاً لترسيخ الثقة بين المكونات القومية والطائفية والمذهبية، وهو ما يشكّل القاعدة الصلبة لبناء خطاب وطني حقيقي.

 


مشاهدات 111
الكاتب أحمد فاتح محمد
أضيف 2025/08/02 - 2:36 PM
آخر تحديث 2025/08/09 - 6:52 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 679 الشهر 6599 الكلي 11401685
الوقت الآن
السبت 2025/8/9 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير