الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
أوقفوا مشروع غابة بغداد

بواسطة azzaman

أوقفوا مشروع غابة بغداد

ليث الصندوق

 

أرجوكم أيها المسؤولون عن بغداد أوقفوا تنفيذ مشروع ( غابة بغداد ) ، أوقفوه قبل أن تغرسوا أشجاره ، فإذا كنتم أنتم ، وزملاؤكم عاجزين عن حماية أرواح المواطنين الذين احترقوا في بناية من خمس طوابق في الكوت ، ومن قبلهم أرواح الآلاف في مستشفى ابن الخطيب في بغداد ومستشفى الحسيني في الناصرية ، وفي قاعة احتفالات الأعراس في القوش بحمدانية نينوى ، ومصنع الكبريت في القيارة ، وفي مواقع أخرى كثيرة ، إذا كنتم عاجزين عن حماية تلك الأرواح ، كيف إذن بمقدوركم حماية أرواح الالاف الأخرى إذا ما احترقت غابة بمساحة أثني عشر مليون متر مربع تضم مليون شجرة .

أيها السادة : ليست العبرة في كثرة المشاريع ، ولا في ضخامتها ، ولا العبرة في تزويقها وبهرجتها ، بل العبرة في ضمان عدم تحولها إلى محارق للبشر ، كما أن العبرة ليست في زيادة المساحات الخضراء وفي كثرة أعداد الأشجار إذا ما كانت تلك الشجار ستتحوّل إلى أعواد ثقاب . أن العبرة أيها السادة – قبل أن ترفعوا أي سقف أن تضمنوا عدم تحوله إلى مصيدة لاقتناص الغافلين الذين يمرّون من تحته ، وأن تضمنوا قبل حفر وبناء أي أساس أن لا تكون أحجاره قطعاً من الفلين ، وأن لا يكون ملاطه من الصمغ فينخسف بمن يدوسونه . أن العبرة ليست في لذاذة ما تطبخون ، ولا في حسن عرضه على موائدكم ، بل العبرة في أن من سيأكله لا يموت مسموماً ، وما أكثر من ماتوا مسمومين بالعسل .

وبعد كل أحداث الحرائق تلك في مرافق الدولة ، هل هناك من يعتب على المواطن عدم ثقته بكل إداء حكومي ، بل وعدم ثقته بكل وعود الإصلاح ومحاربة الفساد ما دامت العيون التي أوكل إليها السهر على مصائر الأبرياء هي ما بين عين مصابة بداء النعاس المزمن ، أو مصابة بالعمى . وفي ظل شيوع أمراض العيون تلك في الجهاز الحكومي صار المراجعون إلى دوائر الدولة لا يستغربون أن يروا الموظفين يحملون في أياديهم المشاعل بدل الأقلام ، وبها يكتبون ويوقعون على المعاملات والأوراق . وفي ظل شيوع ظاهرة المشاعل وتعدّد استخداماتها صار المواطن يفضل أن تتحول المدينة إلى قاع صفصف تصفر فيه الرياح ، ولا تنمو فيه سوى الأشواك ، لكنها في المقابل تضمن لساكنيها أن لا يتحولوا في لحظة مباغتة إلى حفنة من رماد ، على أن تكون المدينة جنة عامرة بالأضواء والمباني الشاهقة ، لكن مبانيها معرضة للتحول في طرفة عين إلى ديناصورات خرافية نافثة للنيران .

غابة بغداد

أرجوكم أيها المسؤولون ، قبل أن تتورطوا في حرق الغابة الموعودة ، وفي حرقنا جميعاً ، وفي تحويل تراث هذه المدينة العظيمة إلى رماد ، أرجوكم أن تكفوا عن تنفيذ طموحكم في إنشاء غابة بغداد ما دام المواطن المبتلى بمشاريعكم السابقة يشكّ بأن ذلك الطموح الحالم لا يرقى إلى مستوى قدراتكم التنفيذية الواقعية . وعندما يكون مستوى القدرات التنفيذية الواقعية أوطأ من مستوى الطموح ، فأن ذلك الطموح لا يمكن توصيفه إلا بأنه طموح قاتل ، لأن ما سينجزه هو المقابر والخراب .

أرجوكم أن ترأفوا بنا ، وبأبنائنا ، وبمستقبلهم الذي هو مستقبل بغداد ، أرجوكم أن لا تكتفوا برؤية خضار ذلك المشروع عبر الخرائط والمرتسمات فقط ، بل أن تقلبوا تلك الخرائط لتروا ما في طياتها من طبقات الرماد الكثيفة ، والدخان ، ورائحة الجثث المتفحّمة ، فالحكمة توجب توخي الحذر قبل وقوع البلاء . أما إذا ما وقع البلاء فلا التعويض المالي ، ولا اللوم ولا التقريع ، ولا الحساب يُعيدون الحياة لمن فقدوها إن كان هناك حساب فعلاً .

نعم ، في كل العالم هناك غابات تحترق ، ومبان تحترق ، ولكن ليست هناك قلوب تحترق ، ولا آمال وطموحات تحترق ، لأن مطفئي الحرائق هناك لا يُطفئون النيران فقط ، بل يحولون دون وصولها إلى آمال وطموحات الناس ، ولا إلى مستقبلهم ، فمستقبل الناس في كل دول العالم هو نفسه مستقبل مطفئي الحرائق . وأن أي مساس أو تهاون بمستقبل الناس هناك سيطيح بمستقبل مطفئي الحرائق ، ولن يمكنهم بعد ذلك من صعود سلالم الإطفاء ، ولا ارتداء الخوذة أو البدلة الواقيتين ، بل ولا استخدام خراطيم المياه حتى ولو  لإطفاء الحرائق التي ستنال من سمعتهم ، وتطيح بمستقبلهم المهني . إضافة لذلك ليس في كل العالم من مطفيء حريق يجلس في المقهى وهو يتفرّج مستمتعاً بالسنة النار تلتهم من استأمنوه على أرواحهم وكأنه في مهرجان للألعاب النارية .

 

  كاتب وشاعر عراقي

 


مشاهدات 98
الكاتب ليث الصندوق
أضيف 2025/07/21 - 4:23 PM
آخر تحديث 2025/07/22 - 5:10 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 195 الشهر 14102 الكلي 11167714
الوقت الآن
الثلاثاء 2025/7/22 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير