الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
هاجر من العراق بسبب العشائرية وفصولها

بواسطة azzaman

هاجر من العراق بسبب العشائرية وفصولها

 

فيصل عبد الحسن

 

كثرت أسباب الهجرة من العراق بالرغم من بشائر  الأمل بتشافيه كثيرة وربما أغرب ما واجهته من أسباب الهجرة من التقيته وهو يعبر عن أسباب هجرته من العراق يقول كنت الوحيد من أولاد الحي أمتلك دراجة هوائية نوع فيلبس، والوحيد أيضاً فيما اعتقد استعمل زجاجة بل كريم الأمريكية لتلميع شعر رأسي الأشقر وتهذيبه، كنت مغروراً بوسامتي وشبابي وثناء الأساتذة على ذكائي بالمدرسة وتفوقي في دروس عديدة من بينها الرياضيات، فكنت وقتها مصدر ألهام لبنات الجيران، فيقصدنني في حل مسائلهن الرياضية  أو لكتابة موضوع أنشائي وكنت حيياً لا أستطيع أن أرفع عيني بوجه واحدة من جاراتي اللطيفات المهذبات إلا واحدة شعرت أنها ملكت فؤادي، وأخذت تطارني صورتها في نهاري وليلي، ولأنني أجيد الكتابة أكثر من الكلام، فقد قررت أن أكتب لها رسالة حب وأضعها لها في كفها حين تأتي لأحل لها الواجب البيتي، لم تكن أجمل فتاة في الحي، فقد كانت هناك من هي أجمل منها بكثير، فهي فتاة عادية لا يميزها سوى عينين نابضتين بالفرح وعلى شفتيها ابتسامة دائمة الأشراق، وكنت بحاجة ماسة لرؤية هذه الابتسامة، لكنها كما عرفته بعد ذلك من خلال ترددها علي في بيتنا لأحل لها الواجبات البيتية، أنها محدودة الذكاء وصورتها الموحية بالبراءة، ونظراتها التي تعدك بالحب والمودة، هي صور غير حقيقية وهي ظل لستر مشاعر جافة غبية.

أغنية حلومي

 يقول كتبت الرسالة لها بنبض قلب فتى في الثالثة عشرة من عمره لا تجربة له ولا يعرف كيف يتعامل مع الجنس الآخر، إلا من خلال كلمات أغنيات حلومي “ عبدالحليم حافظ” الذي كنا وكذلك تحرص الفتيات في ذلك الوقت على تصغير اسمه حباً به وهياماً بأغنياته العاطفية، هذا الجنس الآخر بيدو ناعما ضعيفاً يحتاج للمساعدة الدائمة، ويحافظ عليه الأهل كحفاظهم على أقداح الزجاج الرقيق، وكأنك إذا نفخت عليه عرضته للكسر والتهشيم، وبيد مرتجفة دسست لها الرسالة في كتاب الرياضيات، وأنا أنظر إلى عينيها أرجوها الرحمة بي ورسالتي الغارقة في التفاؤل، وكتبت لها كملاحظة أنها غير مضطرة لإجابة رسالتي برسالة ويكفيها أن تقف في باب بيتهم في الساعة الفلانية لأعرف منها مشاعرها المطابقة لمشاعري، معترفة بحبنا المشترك، كانت كلمات رسالتي بريئة حيية ولكنها نابضة بحب صادق أصيل.

أخذت الفتاة كتاب الرياضيات وهي تشع بابتسامتها المشرقة المملوءة بالوعود الكاذبة وكأنها استلمت الدليل على أدانتي بجرم مشهود، وأكمل أنا المسكين لحظتها شعرت أني أخيرا سأعيش قصة حب رائعة وأحلم بامتلاك قلب فتاة كما في أفلام السينما التي كنت أراها وقتذاك.

عصا غليظة

  قبل الموعد المحدد لها كنت أمرُّ كطائر الباشق فوق دراجتي الفليبس وشعري الذي مسدته على الطريقة الأمريكية بكريم بل الشهير، وعلى لساني مقاطع من أغنية حلومي، وقلبي يسبقني إلى بيت المحبوبة، وحين أعياني الذهاب والمجيء قريباً من باب دارهم وكان الوقت عصراً والشمس لاتزال لاهبة قررت أن أعطي لنفسي فرصة الوقوف والانتظار، كان أملي أن تفتح باب بيتهم لأرى ابتسامتها فأعرف أنها تبادلني المشاعر ذاتها، لكنها لم تفتح الباب وبقيت أغني أغنيات حلومي وأقول في نفسي الغائب حجته معه حتى يحضر.

 وخلال انتظاري ولهفتي خرج أكبر أخوتها وبيده عصا غليظة وبعده أمها وأخواتها، وأخوانها الصغار، عشيرة كاملة من الأطفال  خرجت من ذلك الوكر، لم أكن أعلم أن لديها كل هذا العدد من الأخوة، وسألني أخوها وعيناه تقدحان شرراً“ ماذا تنتظر يا شقي ؟” فقلت له متوترا “ أني أقف هنا لأخذ نفسا “ كان عذري أسوأ من أي عذر آخر، ولم يمهلني وضربني بالعصا وهجمت علي أمه تعضني وأخوتها أسقطوني من على دراجتي الفيلبس، ودافعت عن نفسي ولكن كما تقول أمي دائماً أن الكثرة تغلب الشجعان، فأصبت أصابة شديدة في كتفي ووجهي وبالكاد خلصت نفسي منهم، عرفت  فيما بعد أن المحبوبة اللطيفة أخذت رسالة حبي المسكينة وقرأتها جهاراً لأمها وأخوتها  لتثبت لهم أنها حسنة السيرة والسلوك وأنها مرغوبة من أوسم أبناء الحي وأذكاهم وعليهم أن يثقوا بها ثقة عمياء وأنها لا تخفي عنهم شيئاً من حياتها.

   تعلمت من ذلك اليوم أن الحب في العراق ليس كما في أفلام حلومي و أغنياته، وأن الحب العراقي مختلف عن كل حب في العالم وبعد ذلك دخلت وأسرتي في عراك وقضايا عشائرية وفصول وحشوم وكسر أنوف وخراب بيوت بيننا وبين عشيرتها. فقررت بعد تلك الصدمة أن أغادر العراق بعيدا عن العشائرية وفصولها إلى أي بلد آخر أجد فيه متنفسا  للحياة الحقيقية .

 


مشاهدات 72
الكاتب فيصل عبد الحسن
أضيف 2025/07/13 - 2:41 PM
آخر تحديث 2025/07/14 - 4:47 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 548 الشهر 8793 الكلي 11162405
الوقت الآن
الإثنين 2025/7/14 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير