من يبتكر الجهل؟
محمد ساجت السليطي
الجهل لا يولد من فراغ.
هو ابن الخوف، وتوأم القمع، ومطية الطغاة.
لا يُزرع وحده، بل يُحرث له جيدًا،
ويُسقى بكلمات معسولة،
ويُغلف أحيانًا برداء من ورعٍ زائف،
وأحيانًا أخرى بشعارات وطنية جوفاء.
هناك دائمًا من يصنع الجهل،
ليس لأنه يجهل، بل لأنه يعرف جيدًا
أن النور يُعري الزيف،
وأن الوعي يُربك الطغيان،
وأن المعرفة تُوقظ الشعوب من سباتها الطويل.
يصنع الجهل من يخاف من الفكر،
من لا يحب الأسئلة،
ويضيق بلمعان العيون التي تريد أن تفهم.
إنه ليس صناعة بريئة،
بل حرفة خبيثة،
يمتهنها من يبيع الصمت، ويشتري الولاء،
ويُطعم الناس خرافةً بدلًا من الفكرة،
ورمزًا بدلًا من المعنى،
وصنمًا بدلًا من الإنسان.
ومن يربح من هذا الظلام؟
الجواب واضح كالشمس الغائبة:
من يربح من الجهل هو من يخشى أن تُفتح النوافذ.
هو من يستثمر في الغفلة،
ويبني سلطته فوق جماجم الأسئلة.
فالجهل ليس سقوطًا عفويًا…
بل سقوطٌ تُرك ليحدث، ثم صُفّق له، ثم رُفِع فوق المنابر،
وصار “مقدّسًا”.