حين يجف المطر فوق جبال الزيتون
شيرزاد نايف
في مكانٍ اسمه كردستان، حيث الجبال تحفظ كرامتها كما تحفظ الثلوج على قممها، وحيث تمرّ القرون ولا تنكسر الجبال، كُتب على شعبها أن يتحمّل أكثر مما تحتمله الجبال نفسها. هناك، في تلك البقعة التي تتزيّن بالدمع قبل الذهب، يمرّ الوقت بطيئًا وثقيلاً على صدور ملايين الموظفين، وكأن الساعات نفسها باتت تئنُّ من وقع الانتظار.
ثلاثة أشهر مضت دون رواتب. ثلاثون يومًا، ثم أخرى، ثم ثالثة، وليس في الأفق غير الصمت. ملايين الناس لا يملكون غير وظائفهم، يذهبون إلى أعمالهم كما تذهب الأشجار إلى الخريف بلا ورق. لا صوت يُسمع سوى النداء الخافت في داخل كل بيت: *»كيف نعيش؟»*
هل حدث في تاريخ الإنسانية أن حكوماتٍ تعاقبت، وكل واحدة منها أشد من أختها سيفًا على رقاب الناس؟ وهل سجل التاريخ رقمًا قياسيًا في خيانة العهود كما يفعل بعض من يدّعون الحكم اليوم؟ ليت موسوعة «غينيس» تحتفظ بمكان لهذه القسوة؛ لكانت كردستان تتصدّر.
عقد اجتماعي
إنها ليست مجرد أزمة مالية، بل اختلال في ميزان العدالة، وتشويه لمفهوم الدولة التي وُجدت لأجل الناس لا عليهم. فما معنى الدولة إذا لم تؤمّن الحد الأدنى من الكرامة لموظفيها؟ أين فلسفة العقد الاجتماعي الذي يمنح الشرعية للحاكم حين ينقلب على العقد ذاته؟
ثم ماذا عن موقف إخوتنا في باقي العراق؟ هل سُلبت من القلوب حرارة التعاطف؟ ألم يقل نبيّ الرحمة: *»لا يؤمن أحدكم حتى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه»*؟ أين أنتم من أخوتكم الكورد الذين يبيتون في عتمة الديون، ويستيقظون على ضجيج النسيان؟! أضعف الإيمان كلمة، شعور، تضامن، لا نطلب منكم سوى أن تضعوا أيديكم على صدوركم وتسألوا: لو كنت أنا في مكانهم، ماذا كنت سأفعل؟
أما الشعب، فليس له حول ولا قوة، سوى الصبر الذي تحوّل إلى جلاد آخر. كيف لربّ أسرة أن يوفّر قوت أطفاله بلا راتب؟ وكيف لطبيب أن يعالج مريضًا وهو لا يجد ثمن المواصلات؟ كيف نطلب من الناس أن يداوموا في أعمالهم ونحن لم نُداوم على إنصافهم؟ يا من تمسكون بزمام القرار، تذكّروا: الشعوب لا تموت من الفقر وحده، بل من خيانة الأمل، من كسرة الكرامة، من تآكل العدالة، من احتقار الصوت الضعيف. وفي النهاية، نقولها بالفم الملآن: *ما من خنجر أشدّ مضاءً من الذي يُغرس في الظهر باسم الأخوّة.*