فم مفتوح .. فم مغلق

عذراً لمائة صديق وزميل

زيد الحلي

في أول تموز من كل عام، تعتريني الحيرة ذاتها: كيف يمكن لأكثر من مائة صديق وزميل أن يكونوا جميعاً من مواليد هذا اليوم، رغم تفاوت السنين؟ وظلت هذه الحيرة، المغلفة بشيء من اللامنطق، تلازمني حتى اليوم.

الأمر الذي حيرني ، هو ظاهرة عراقية أصيلة ، ووحيدة في العالم، يحتفل بها ما يقارب 40 بالمئة من العراقيين بأعياد ميلادهم في الأول من تموز، لا لأن الأمهات خططن لذلك، ولا لأن الفلك قرر توحيد النجوم، بل لأن دفتر الاحوال الشخصية  قرر أن يبدأ العد من هذا اليوم !

الحكاية تعود إلى سنة 1957، حين قررت دائرة الأحوال المدنية القيام بإحصاء سكاني شامل. المشكلة كانت أن كثيرا من الناس لم يكونوا مسجلين أصلًا ... أجل، كان العراق مليئًا بأشخاص «خارج التغطية الورقية»، لا يعرفون شيئًا عن تاريخ ميلادهم الحقيقي، ولا أحد كتب لهم «ولادة» رسمية في سجلات الدولة.

ولأن الموظف المسكين في الدائرة ، لا وقت لديه ليسأل عن البروج والكواكب أو يستشير الجدّات، قرر ببساطة أن يكتب لكل من لا يعرف يوم ميلاده : 1/7. لماذا؟ لأنه بداية النصف الثاني من العام، ونقطة منتصف آمنة، ومنذ ذلك اليوم، صارت شوارعنا  تضج في الأول من تموز بـ»الكيك الجاهز»، والهدايا المغلفة بعشوائية، والرسائل التي تبدأ بعبارة : «كل عام وأنت بخير»

أغرب ما في الأمر أن هذا التاريخ صار يخلق نوعا من الوحدة الوجدانية بين الناس، فتجد في العمل زميلاً يقول لزميله « هم إنت تموزي»؟، وفيرد عليه بضحكة: «اي والله، مو دفتر نفوسنا واحد» !.

ومن الطريف أن بعض العوائل تقيم احتفالا مشتركا لكل من وُلدوا «ظاهريًا» في 1/7، فتجد الجد والجدة، والعم، والخال، والأب، والابن، وحتى الحفيد، يحتفلون بيوم واحد، وكأن تموز هو شجرة العائلة، والحر هو الشمعة التي لا تنطفئ.

وهنا اقول : في بلادٍ تتقلب فيها الأهوال كما يتقلب طقس تموز، كان لا بد أن يأتي هذا اليوم ليضحك العراقي على الظروف،  بطريقته الخاصة، ويحوّل الخلل الإداري إلى مناسبة وطنية للفرح.

فكل عام ودفتر نفوس العراقيين  بخير...

وكل تموز وأنتم مولودون !

Z_alhilly@yahoo.com