الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
عندما تصبح حياة المنفى (مهنة) شاقة

بواسطة azzaman

أذن وعين

عندما تصبح حياة المنفى (مهنة) شاقة

عبد اللطيف السعدون

 

انقضى عام آخر، ورحلة «التيه» لملايين العراقيين لم تنته بعد، وقد انقطع الرجاء، واضمحل الأمل في عودة، ولو متأخرة، الى وطن لم يعد يحمل ملامح الولادة الأولى فقد تحول الى وطن «هجين»، أبوه عربي لكن أمه أعجمية، يحكمه الأغراب من اللصوص والسحرة وتجار الطوائف والراقصين على أجداث الموتى الذين قدموا من قاع الأزقة الخلفية لدول الغرب والجوار، وليس ثمة ما ينبئ بخلاص قريب، أو حتى بنصف خلاص إذا كان خلاص الأوطان قابلا للقسمة.

وانصافا نقول ان العراقيين لم يعرفوا، منذ تأسيس دولتهم الوطنية عام 1921، وحتى عهود «الجمهوريات» رحلات هجرة ونفي وتيه كالتي حدثت بعد الغزو الأميركي، ولم تخطر فكرة الهجرة أو اللجوء في ذهن عراقي واحد في عهد الملوك، لكن الأمر تغير في عهود الجمهوريات بعد أن استوطن البلاد العسكر ودعاة الأحزاب الشمولية، واحتكروا سلطة القرار، أيامها ومع ازدياد موجة الحروب والحصارات، وتعاظم حملات القمع والتنكيل شعر العراقيون أنهم توقفوا عن إدراك الأشياء الجميلة التي عرفوها في حياتهم، وأوشكوا أن يفقدوا بلادهم التي ألفوها بعدما لم تعد تمنحهم حقهم في العيش على أرضها بكرامة وإباء، وهكذا فكر بعضهم في سفر طويل أو الهجرة، وقدرت الأمم المتحدة في حينها عدد من ارتحل الى خارج البلاد بما يقرب من مليونين، لكن هذا الرقم تضاعف أكثر من ثلاث مرات بعد الاحتلال.

هؤلاء لم يعودوا اليوم وحدهم أسرى هذه المحنة، أو قل هذه «المهنة» الشاقة التي تحدث عنها شاعر تركيا ناظم حكمت فقد لحق بهم، أو التحق قبلهم، منفيون من كل بلاد الله الواسعة، ولن نستغرب اذا ما عرفنا أن ثمة أكثر من 123 مليون لاجئ ومهجر في العالم اليوم بحسب ما قالته المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، وأن أكثر من ثلثهم عرب، ومن أجلهم حددت الأمم المتحدة  العشرين من حزيران/ يونيو من كل عام يوما عالميا للاحتفاء بهم، وللتذكير بالمأساة التي يعيشونها، وفي هذا العام دعا الأمين العام للمنظمة الدولية أنطونيو غوتيريش العالم إلى «ترجمة تضامنهم مع اللاجئين إلى أفعال ملموسة» و»ضرورة تعزيز الدعم الإنساني، وتوسيع نطاق الحماية، والحلول الدائمة لهم». إلى ذلك، لم يعد العالم العربي مكانا آمنا للعيش وممارسة الحياة الطبيعية خاصة وأن القائمين على اموره ليسوا قادرين على تدبير حلول لمشكلاته، أو ادارة موارده، ولنا أن نسكب العبرات عندما نكتشف أن كل هؤلاء المنفيين من أوطاننا ينظرون بغبطة، وحتى بحسد، الى العصافير المهاجرة لأنها وحدها تحتفظ بحق العودة، وهي تعرف طريق عودتها وزمانه!

نازحو الداخل

والأشد معاناة من كل أولئك المنفيين، منفيون آخرون، ولكن من نوع مختلف، من نازحي الداخل العراقي الذين هجرتهم دولة «داعش»، أو الميليشيات السوداء، وقد حجب عنهم حق العودة الى مدنهم ومنازلهم الأولى لسبب أو لآخر، ووجدوا أنفسهم فجأة وسط «أرخبيل» دونه «أرخبيل غولاغ» الذي اختبره الروائي الروسي سولجنيتسين الذي نذكر له بالخير نصيحته قبل الشروع بالرحلة الأخيرة أن يحملوا أوطانهم في ذاكرتهم، «لا تحمل حقيبة سفر أبدا، اجعل من ذاكرتك حقيبة سفرك الوحيدة، ضع فيها مفردات لغتك، وتضاريس وطنك، ووجوه الناس الذين تعرف، وحكاياتهم، وستكتشف أنك باق في وطنك، كما كنت قبل رحيلك».

نذكر أيضا نصيحة محمود درويش، بأن لا يأخذ النازح معه سوى «زوادة فيها رغيف يابس، ووجد، ودفتر»، لأن أي شيْ آخر مهما كانت قيمته «لا يرجع الغريب الى الديار».

وللنازحين والمهجرين في هذا البلد او ذاك حكايات أخرى لها طعم العلقم المر، يكفي أنهم لم يرحلوا الى حياة مختلفة انما الى موت مختلف يجيئهم بطيئا، جوعا أو عطشا، أو حنينا إلى وطن لم يعد يبادلهم الحب!

ولا نملك لهم، نحن المنفيين مثلهم سوى ابداء العون، وإن أعيتنا الحيلة فليس لنا سوى الله، وقد رفعت مغردة عراقية يدها بالدعاء لهم على منصة اكس: «اللهم، يا من لا تضيع عنده الودائع، نستودعك المساكين والمهجرين والضعفاء والنازحين، وكل المنفيين في خارج أوطانهم، أو حتى في داخلها!

 


مشاهدات 85
الكاتب عبد اللطيف السعدون
أضيف 2025/06/28 - 12:49 AM
آخر تحديث 2025/06/28 - 6:19 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 161 الشهر 17188 الكلي 11151842
الوقت الآن
السبت 2025/6/28 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير