مشاهدات من أرض الكنانة مصر العربية (1)
الإسكندرية .. عروس المتوسط والمركز الإقتصادي الثاني
رعد أبو كلل الطائي
عُدتُ مرةً ثانيةً إلى مصر العربية بعد سبعة سنوات من رحلتي السياحية الأولى لمصر عام 2018م وشديتُ الرِحالَ وحزمتُ حقائبي وأتجهت إلى مطار بغداد الدولي، ومن هناك استقليتُ طائرة الخطوط الجوية العراقية المتجهة إلى مطار القاهرة الدولي الجديد، وبعد رحلةٍ استغرقت ساعتان ونصف الساعة، وصلتُ مطار القاهرة الدولي الجديد ومن الباب الرئيسية للمطار، اتجهتُ إلى حافلات المطار المجانية التي أوصلتني إلى موقع مرآب كبير للحافلات، ومركبات التاكسي والذي يبعد عن ساحة المطار بواقع ربع ساعة تقريباً، ومن هذا المراَب تنطلق الحافلات ومركبات التاكسي إلى محافظات مصر كافة، وأنطلقتُ صوب حافلات النقل العربية (الجت)، فقطعتُ تذكرةً إلى محافظة الإسكندرية وأجرتها مُحددة بواقع 290 جنيهاً، الوقت الذي تستغرقه الرحلة من المطار إلى الإسكندرية بحدود ثلاث ساعات ونصف، وحسب التوقيت المحدد لها، وهناك عدة محطات للوقوف خلال الرحلة وكانت أول محطة للوقوف بعد اجتيازنا مدينة نصر هي، محطة اكوا بارك السكك الحديد، ثم مررنا عند كلية طب جامعة عين شمس فحي بولاق، حتى وصلنا إلى محطة الوقوف الثانية وهي، محطة وقوف ميدان التحرير في القاهرة بعدها أجتزنا جسر 6 اكتوبر، الذي يربط محافظة القاهرة بمحافظة الجيزة.
محطة ثالثة
وبعد الأجتياز وقفنا في المحطة الثالثة وهي، محطة الجيزة، وهذه المحطات الثلاث لا يستغرق الوقوف فيها أكثر من خمس دقائق انتقلنا بعدها مباشرة إلى طريق القاهرة الإسكندرية الصحراوي السريع، والذي يبدأ جنوباً عند التقاطع مع محور 26 يوليو داخل نطاق محافظة الجيزة، ويمتد شمالاً حتى التقاطع مع الطريق الداخلي لنطاق مدينة الإسكندرية، ويمرُ الطريق على عدة مدن رئيسية :
مدينة الشيخ زايد - سفنكس الجديدة - السادات - وادي النطرون - النوبارية الجديدة - العامرية .
كما يتقاطع الطريق مع عدة طرق رئيسية :
محور الضبعة - الطريق الدائري الأقليمي - طريق وادي النطرون - العلمين، ويشتمل الطريق العديد من المعالم المميزة منها : القرية الذكية - مطار سفنكس الدولي- دير الأنبا مقار - المنطقة الحرة العامة في الإسكندرية، وخلال الرحلة تطلُ من نافذة الحافلة على مناظر خضراء زاهية وهي لمئات من المزارع على جانبي الطريق، مُغطيةً مساحات واسعة من الطريق، فضلاً على وجود عددٍ من مصانع السكر والطوب الأحمر، وبعد وصولي مدينة الإسكندرية، سكنتُ في شُقةٍ استأجرها لي زميلٌ وصديقٌ عزيزٌ هو أصلاً ساكن في الإسكندرية لسنوات عديدة .
نبذة عن مدينة الإسكندرية
أُطلق على مدينة الإسكندرية الساحلية في جمهورية مصر العربية لقب، عروس البحر المتوسط، كما أُطلق عليها ملِكةّ جمال مصر، ومدينة الإسكندرية من المدن العريقة، فهي أقدم من مدينة القاهرة بأكثر من ألف عام، إذ بُنيتّ الإسكندرية عام 331 قبل الميلاد، بينما بُنيت القاهرة عام 969 ميلادي، وتُعدُ أكبر مدن حوض البحر المتوسط بناها الإسكندر عند دخوله لمصر عام 331 قبل الميلاد وجعلها عاصمةً لِمصر، وقام الإسكندر الأكبر بوضع مخططٍ لبناء المدينة اعتمد فيها، على مختصين الذين وضعوا تصاميماً للمدينة مشابهةً لتصميم المدن الهيلينية اليونانية فقاموا ببناء سورٍ دفاعي طوله عشرة أميال، وربط جزيرة فاروس برصيف عرضه كيلومتر و441 متراً وأنشؤا ثلاثة موانئ متجاورة، ووضعوا مخططاً للمدينة، تضمن إنشاء شارعين يربطان المداخل الأربعة للمدينة، في حين أُقيم في المدينة منارةً مشهورةً أُطلق عليها أسم منارة الإسكندر وبأرتفاع 400 قدم، بينما أُقيم القصر الإمبراطوري العائم على بحيرة مريوط . ودخل العرب المسلمين فاتحين المدينة عام 30 هجرية بقيادة الصحابي عمرو بن العاص وبأمرٍ من الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وأنشأَ مدينة الفسطاط عام 31 هجرية ليتخذها عاصمةً، وقام ببناء أول منارة إسلامية في المدينة .
موقع المدينة وأسوارها
وتقع الإسكندرية في الجزء الشمالي من مصر، والمنطقة مُطلةٌ على البحر المتوسط، وعلى امتداد الساحل بطول حوالي سبعين كم شمال غرب دلتا النيل، ويحدها من الشمال البحر المتوسط، وبحيرة مريوط جنوباً، حتى الكيلو 71 على طريق القاهرة الإسكندرية الصحراوي، وكانت وما تزال لموقعها أهمية قصوى، وهي ثاني أكبر مدينة في مصر بعد القاهرة، والعاصمة الثانية لمصر بعد القاهرة، ومنذُ بدايتها تطورت المدينة تطوراً كبيراً وواسعاً وأزدهرتّ فيها الأوضاع الاقتصادية والثقافية، وأصبحت الميناء الأول في مصر، وقد أزداد التوسع العمراني والسكاني فيها، وأستقبلت المدينة أعداداً كبيرة من النازحين والمهاجرين من المناطق الريفية المحيطة بها .
ورغم مرور الدهور على مدينة الإسكندرية، إلا إن معالمها وآثارها ما زالت موجودة وشاخصة على أصالة وشموخ هذه المدينة، وكان قديماّ يُحيط بالإسكندرية سوراً يحميها من الغزو الخارجي، وكان لهذا السور ستة أبواب، كُلها أختفت ولم يتبقٓ منها إلا أسماؤهما فقط، ذلك بسبب الأهمال وعدم الترميم مع الظروف الجوية التي تتعرض لها المدينة في فصل الشتاء والتي أدت إلى أختفاء الأبواب الستة، والغريب في الأمر إن هذه الأبواب تحولت معظمُها إلى أسواقٍ، وهذه الأبواب الستة هي :
أولاً : الباب الشرقي، هو أهم الأبواب على الأطلاق، فهو يعتبر مدخل المدينة الرئيسي ( مدخل السلاطين والحكام ) وكان يتم أفتتاحه من ناحية الشرق (جهة رشيد)، لذلك كان يسمى بباب ( الرشيد )، ويوجد الآن جزء من سور الإسكندرية القديم في منطقة ستاد الإسكندرية أمام سيدي الزهري، وهذا الباب هو أقدم الأبواب وتم بناؤه في العصر البطالمة، ثم تم غلق الباب أثناء غزو محمد بن طولون للمدينة عام 667 هجرية، وأعاد محمد علي فتح الباب والذي تحول إلى طابية باب شرقي الموجودة الآن في منطقة الشلالات .
ثانياً : باب سدرة، يطل باب سدرة على عمود السواري، وهو أحد أبواب السور الجنوبية، ولقد دمر القبارصة هذا السور ووضعوا عليه الصليب، وبعد ذلك جاء المماليك ووضعور عليه راية الأسلام، وهذا الباب كان بالقرب من منطقة الطوبجية والعامود، إذ تحولت أبواب العامود إلى ساحة للباعة الذين يفترشون الأرض ببضاعتِهم أمام الأبواب .
ثالثاً : الباب الأخضر، وهو أحد أبواب السور الشمالي، والذي يُفتح ناحية الجنوب الغربي من الإسكندرية، ويطل عليها الميناء، ومنطقة كوم الناضورة والتي يحيطها سوق كبير للأخشاب بمختلف أنواعها، ولم يتبقَ من معالم هذا السور سوى شارع الباب الأخضر .
رابعاً : الباب الجديد، وهو أحدث الأبواب وتم فتحه في السور الجنوبي في عهد محمد علي عام 1887ميلادي بأسم الباب السوري، وبعد تولي الخديوي أسماعيل عُرِفَ بأسم الباب الجديد .
خامساً : باب الكراسته، وهو الباب البحرية في العهد الإسلامي، وكان يُفتح ناحية البحر ويطل على قلعة قاتيباي وفي الغرب يسمونه (باب أشمون)، ويقع باب حمام السلسلة بالقرب منها، وأثناء الحملة الفرنسية على مصر عُرِفَ بأسم الساحة أو الميدان، وظل موجوداً لفترة طويلة حتى أختفى وهو ليس له وجود الآن .
سادساً : باب عمر باشا، هذا الباب تحول إلى سوق كبير يمتد من شارع سلامة حجازي إلى ناصية شارع راغب وهذا السوق كان يسمى سوق النصارى، وكان يعملُ فيه اجانب أيطاليين وأرمن، وكانوا يطلقون عليه بباب القرافة في العصر المملوكي .
وتُعتبر مدينة الإسكندرية المركز الاقتصادي الثاني في مصر، إذ يتم استيراد وتصدير البضائع المختلفة من مينائِها فضلاً على استقبال المدينة أفواجاً من السياح العرب والأجانب، ومن كل دول العالم ومن داخل مصر ومحافظاتها وخاصة في فصل الصيف والأعياد والعُطل الرسمية، وهؤلاء السياح يتوافدون على الإسكندرية، ليستمتعوا بشواطئها الجميلة، والكابينات السياحية المفروشة على شواطئها الرملية، والجذابة على البحر المتوسط ويمارسوا هواياتهم المختلفة كالسباحة وركوب المراكب والقوارب البحرية والتجوال في شواطئها، زيادة على الإطلاع على المعالم والمواقع الآثارية في المدينة، كما وغطت الأراضي الزراعية ما يقارب ٧٠ ألف فداناً من مساحة مدينة الإسكندرية بسبب التوسع العمراني والسكاني فيها ٠
مناخها وأقتصادُها
يُعدُ مناخ مدينة الإسكندرية مختلفاً إلى حد كبير عن المناطق الصحراوية بسبب وجود الرياح الشمالية التي تهب عبر البحر المتوسط، وهو معتدل نسبياً في فصل الصيف، ويكون حاراً رطباً في شهري تموز واَب والذي يُعد الأعلى حرارةً خلال فصل الصيف، إذ يبلُغ متوسط درجة الحرارة فيها 30 مئوية، أما في فصل الشتاء يكون المناخ بارداً نسبياً، وقد تحدث عواصف عنيفة مُسببةً أمطاراً غزيرةً وعواصف رعدية، وهيجاناً لأمواج البحر، وخلال تواجدي في الإسكندرية، أعلنتّ الهيئة العامة للأرصاد الجوية في بيان رسمي صباح يوم السبت الموافق 31 مايو مايس، عن تطورات في الأحوال الجوية مؤكدة إن صور الأقمار الصناعية الأخيرة أظهرت تجدد السحب الرعدية الممطرة فوق مناطق السواحل الشمالية، وشمال الوجه البحري، وأنهمرت السحب المنخفضة والمتوسطة في السواحل الشمالية الغربية، مع هطول أمطارٍ متفاوتة الشدة، وعواصف رعدية ورياح شديدة مفاجئة، واتسعت لتشمل عدداّ من محافظات شمال ووسط الدلتا ومنها، الإسكندرية على وجه الخصوص، وكان مطرٌ شديدٌ على هيئة ثلوج وغطت مساحات واسعة من أحياء وشوارع وحارات المدينة، حتى إن الرؤيا أنعدمت خلاله، وغرقت عدداّ من الشوارع، وتراكمت المياه في مناطق متعددة، وأستمرت هذه الحالة من الساعة الثالثة من فجر السبت لغاية الظهر من يوم السبت نفسه، والحمدُ لله لم تحدُث ولم تسجل خسائر بشرية، فقط كانت هناك خسائر مادية منها انهيار وتصدع عددٍ من المباني في مدينة الإسكندرية .
تجارة القطن
وأرتفع عدد سكان الإسكندرية بمقدار عشرة أضعاف في فترة أواخر القرن التاسع عشر الميلادي إلى ثمانينيات
القرن العشرين، وبلغ عدد سكانها عقب ثورة 23 تموز 1952م مليون ونصف المليون نسمة، وفي عام 1976م أصبح عدد سكان الإسكندرية أكثر من مليوني نسمة، وفي أوائل القرن الحادي والعشرين أزداد عدد سكانُها بشكل كبير حتى بلغ أكثر من أربعة ملايين نسمة، وتعتبر مدينة الإسكندرية محوراً أساسياً لدعم الإقتصاد القومي المصري، إذ تنتج المدينة ما يقارب من خُمسيّ الإنتاج الصناعي القومي في مصر، وإن المنطقة المحيطة بالميناء والمعروفة ( ميناء البصل)، هي منطقة غنية بالمستودعات والتي كانت في يوم من الأيام موطناً لتجارة القطن، كما إنها تشتهر بصناعات الملح والدباغة وأعمال الأسمنت ووجود المحاجر الكلسية ومصفاة النفط، وإن من أهم الصناعات الداعمة الأساسية لأقتصاد المدينة ولمصر بشكل عام هي صناعة القطن، وتبعد الإسكندرية عن العاصمة القاهرة 220كم، وتقع شمال جمهورية مصر وعلى ساحل البحر المتوسط إلى الغرب من فرع النيل الغربي فرع رشيد، يحدُها البحر المتوسط شمالاً، ومحافظة البحيرة جنوباً وشرقاً، ومن الغرب محافظة مطروح، وتبلغ مساحتُها 2818 كم و77 متراً .
طريق القاهرة الإسكندرية الصحراوي
يُعدُ طريق القاهرة الإسكندرية الصحراوي الطريق السريع، والأكثرُ آماناً للمسافرين، ويبلغ طوله 220 كم، وتم إنشاؤه عام 1935ميلادي، والطريق بسايدين الأول للذهاب والثاني للأياب، وكل سايد يحتوي على أربعة ممرات مخصصة للمركبات، وكما يُضمُ الطريق ممران آخران مخصصان للنقل الثقيل، في حين حُددت السرعة على الطريق من قبل المرور لتكون 100 كم في الساعة لمركبات الملاكي والتاكسي، و 90 كم لحافلات نقل الركاب، و80 كم للمركبات الثقيلة .
وحكم مدينة عروس البحر التي تدبُ فيها الحركة ولا تنام، اليونانيون والأيطاليون والفرس، والبيزنطيش (روما الشرقية)، والعرب المسلمين الذين دخلوها فاتحين، وكانت الإسكندرية منذ زمن بعيد مُقسمةً إلى ثلاثة أقسام الجزء الأول مخصص للمصريين، والثاني مخصص لليهود، بينما خصص الثالث لليونانيين .
بعد الذي شاهدته في مدينة الحُب والجمال أقول :
مدينة البحر المتوسط، مدينة السحر والحُب الإسكندرية، والذي يزورُها لا يعرف معنى الأكتِئاب، الأسكندرانيون يحبون ويعتزون بمدينتهم فوق الخيال وفوق ما تتصور، وجوهُهُم مرِحة ومبتسمة دوماً، يحبون زائريها كافة بصورة عامة، والعراقيون بصورة خاصة، والزائر العراقي له مكانةً خاصة في وجدانهم وقلوبهم، نعم هكذا وجدتهم من خلال تعاملي معهم في كلِ مرفقٍ ومكانٍ في المدينة، في الشارع والمقهى والمطعم والأحياء والحواري والأسواق طيبتهم لا توصف ولا حدود لها، ويُسهلونَ ويُقدِمون لك كل ما تطلبه من خدمات، بطيبةِ قلبٍ وراحةِ نفسٍ، و عندما تجلس معهُم يتحدثون لك عن ذكريات عددٍ كبيرٍ من الأسكندرانيين عندما كانوا يعملون في العراق منذ سبعينيات القرن الماضي، ويصفون تعامل العراقيين معهم بطيبة قلب وحب وأخوة لا حدود لها، وكانت حقوقهم مضمونة ومما يُذكر إن عدد اخواننا المصريين العاملين في العراق بلغ اكثر من سبعة ملايين مصري خلال ثمانينيات القرن الماضي، وإن عدداً كبيراً منهم أستقرَ وبقيَ في العراق أكثر من أربعين عاماً، هكذا هو رد الجميل بالجميل بين الأخوة العرب، وستبقى العلاقة الأخوية بين العراق ومصر راسيةٌ، وبخير وعافية إن شاء الله، فطوبى لإهلنا في مصر .