لابوبو تضحك لك ام ..عليك
اميمة ابراهيم السامرائي
من منا من لا يحب الالعاب ؟! ومن منا من لم يقتني كرة قدم او عروسة جميلة او قطارا بسكة واصبحت جزءا من الذاكرة والحنين الى الطفولة , حتى الضفدع الاخضر من القماش كانت له مكانة في قلوب البعض . لكن يبدو أن مفهوم الألعاب اليوم قد تغير ككل شيء اخر جميل، لم تعد تلك الالعاب البسيطة التي نتلقاها كهدايا من الأهل هي التي تسلينا ، بل أصبحت أقرب إلى صفقات تجارية مغلفة بورق الهدايا, ومن هنا تبدأ قصة (لابوبو)...مهلا ..هي ليست شتيمة باللهجة العراقية (رغم أن وقعها على الأذن يوحي بذلك) , لكنها لعبة ذات ملامح غريبة بأذنين طويلتين وابتسامة (مريبة) صممها الفنان الصيني كاسينج لونغ عام 2015 والذي استلهم تصميمها من الأساطير الإسكندنافية، ثم طورتها شركة Pop Mart الصينية. ظهرت اللعبة لأول مرة في مقاطع فيدوية قصيرة على منصات التواصل من قبل بعض الشخصيات المشهورة ، ثم بعصا سحرية من السوشيال ميديا سرعان ما تحولت الى (ترند)، وصار الكل يريد أن يقتني هذا الللابوبو، لا حبًا في التسلية او تقديرا لرمزيتها الفنية، بل خوفا من أن يوصف بأنه خارج القطيع. وهكذا قفزت أرقام المبيعات بشكل مذهل حيث حققت شركة Pop Mart وحدها مبيعات تزيد عن 6.3 مليار يوان صيني (حوالي 880 مليون دولار) في عام 2023، وقفزت أرباحها الصافية إلى أكثر من 166 مليون دولار. أما سعر “لابوبو”، فقد بدأت بنحو 13 دولارا للدمية الواحدة، لتصل إلى 100 دولارا او يزيد ، مستخدمين اسلوب الغموض المتعمد في الصندوق العشوائي، حيث تشتري ولا تدري أي نسخة ستصلك , وهكذا نقع ضحية مقامرة طفولية برعاية الذكاء الترويجي وجشع الشركات.
وفي العراق .. دخلت لابوبو كما تدخل كل الاشياء الغريبة والخطيرة عندنا وتهافت عليها جمهور لاواعي متباهين باقتنائها ومنبهرين بأساطير الشرق, متجاوزا سعر الحجم الكبير منها (بحجم الكف) 90 الف دينار عراقي. كما اصبحت تباع كإكسسوار فاخر للحقائب، جنبا إلى جنب مع ممحاة ومبراة أقلام فنحن نتقن صناعة الوهم والترويج له اكثر من الترويج لكتاب تعليمي او ثقافي او حتى قصص ذات معنى.
اللعبة التي تستمد جذورها من أساطير الفايكنغ أصبحت اليوم تسكن في غرف المراهقين وحتى الشباب قرب علب مشروبات الطاقة الفارغة والكتب المرمية على الارض لا تعرف معها هل تبكي على الاموال المهدورة في التفاهة ام تضحك على لعبة تبتسم لك بسخرية ..صحيح ان لابوبو مجرد لعبة , لكنها تكشف خللا في أولويات جيل بأكمله وتختصر جهلنا للاستهلاك العشوائي والرغبة المستمرة في اللحاق بالموضات العالمية، حتى عندما تكون بلا مضمون. علينا ان نعي باننا لسنا مجبرين على شراء كل ما يعلن عنه، وأن يستند ذوقنا إلى وعي، لا إلى إعلان مدفوع على الشاشات, كما ان الاسرة مسؤولة عن تنمية جيل يعرف الفرق بين الترفيه والتفاهة، وبين الموضة والفراغ وان قيمة الانسان تقاس بما يعرفه لا بما يملكه .