نبض حواء .. ذاكرة

هدى جاسم

تقول وهي تتذكر سنواتها «كنا صغارا نلتف حول طبق صغير واقراص خبز حار صنعته امرأة لاتشبه احد من النساء .. في الصباح تتسارع خطواتنا نحو مدارسنا، لانعلم اننا تركنا سيدة تقاوم الفقر لوحدها لتصنع وجبات لاطفالها العشر الذين رحل عنهم والدهم وهو في الاربعين من عمره «..

تمسك باطراف نافذتها المطلة على الشارع وتكمل حكايتها «عندما نعود مثقلين بحقائب المدرسة بعضها ممزق والاخر دون قبضة تساعد ايدينا على حملها بسهولة ، نجد تلك السيدة قد اعدت ما استطاعت من الطعام يرافقه دمع الفقد دون ان يشعر احدنا بمدى تعبها وحرصها على ان يدخل جوفنا ذلك الطعام حتى وان كانت لن تتذوقه لقلته وخوفا ان لايصيب احدنا شيئأ منه «.

تقول صاحبة الحكاية «عندما تقف على اطراف تنورها الطيني بعد ان جمعت حطبه من اطراف منطقتها التي تسكن فيها تنساب دمعاتها كشلال دون صوت وعندما يسالها احدنا عن هذا الشلال تقول انه الدخان ابتعد لئلا يصيبك شيئأ منه ، وبعد ان تتم مشوارها بين الدمع والخبز الحار تقوم بتوزيع جزء منه على اسيجة الجيران لان رائحة خبزها حتما قد وصلتهم ولابد لهم من تذوقه «.

كبر الصغار العشر وكلٌ خط لنفسه طريق، هكذا تقول حكاية اصغرهم ..كانوا مازالوا يتجمعون حول مائدة البيت الكبير ،بينهم احفاد لتلك الام  التي لها دور كبير ايضا بتربيتهم .. رحل بعض العشر وتكسرت بعض نوافذ البيت وكاد ان يتهاوى عندما رحلت صاحبة التنور الطيني بخبزه الحار ورائحته التي تنتشر في كل شوارع منطقتها .. حاول العديد منهم اعادة الحنين الى البيت الذي اصبح موجوعا بجدرانه وصور الراحلين عنه ، ليبقي ذاكرة جميلة لكل ابناء المنطقة، شيدوا ذاكرتهم على الجدران وتحصنوا بقوة من الخوف الذي قد يسلبهم اخر الكلمات «.

خفت صوتها وحاولت ان تغلق شبابيك ذاكرتها، لكنها ايقنت ان كل خطواتها الماضية والقادمة مرهونة لفضل سيدة في الثلاثين جمعت اطفالها العشر في بيت مرهون للفقر حتى فكت رهانه لوحدها بجوع وصبر وحرمان .. سيدة كانت تبتسم للريح وان كانت عاتية لتمر دون ان تضرب وجها من وجوه اطفالها .. سيدة قالت كلمتها وحفرتها على اسيجة الداروهي تجهل القراءة والكتابة بانها اهل للمهمة الصعبة حتى نهاية المشوار ..