ذاكرة الظلال .. ديمقراطية الرافدين (2)
قانون الكارتل ومعركة البقاء
كاظم نزار الركابي
لفهم “مآلات” دولة، لا تنظر إلى “خطابات” سياسييها، بل انظر إلى “قوانينها”. فالقانون، في جوهره، ليس “قواعد” محايدة، إنما هو “ترجمة” نصية لموازين القوى، بدليل ان قوانين الإنتخابات للدورات السابقة “المتغيرة حسب الحاجة” كانت الآلة التي شغلت نظام ديمقراطية الظلال التي أسسنا لها في الحلقة الأولى.
و”القانون” الذي جرت على أساسه انتخابات 2025 لم يكن “قانوناً” بالمعنى المجرد أو الدقيق، بل كان “بياناً” سياسياً. يمثل “عقد تأمين” صاغته “القلعة” لضمان عدم تكرار “تصدعها”.
لفهم “هندسة الظل” التي رسمت النظام، علينا العودة إلى “لحظة الصدمة”. “الصدمة” كانت انتخابات تشرين 2021. وبالأدق قانونها، الذي وُلد من رحم “احتجاجات تشرين”، لأن تلك الإحتجاجات سبب “الصدع الأول” في جدار “القلعة”.
قانون “الدوائر المتعددة” كان “فوضوياً”، “خطيراً”، و”غير منضبط”. إذ سمح، وللمرة الأولى، بـ“اختراق” حقيقي. سبب “تصدعات” أخرى، دخل منها “أبناء تشرين” (المستقلون، امتداد)، والأخطر، أنه مكّن “التيار الصدري” من حصد 73 مقعداً، ليصير “اللاعب” الذي كاد يغير “قواعد اللعبة” من داخلها.
عاش “النظام” (بكل مكوناته التقليدية) “رعب الانسداد السياسي”، إذ ترأى لها “شبح” خروجهم من السلطة لأول مرة.
هنا، وُلد “العقد” الجديد.
عندما انسحب “الصدر”، وتنفس “الخصوم” الصعداء، لم يجلسوا “للمصالحة”، وإنما جلسوا لـ “إعادة التحصين”.
اطار تنسيقي
ومن هنا تشكل ما نسميه “الكارتل السياسي” .
“الكارتل” ليس “الإطار التنسيقي” وحده. “الكارتل” هو “التحالف غير المقدس” لـ“جميع” اللاعبين الكبار (شيعة، سنة، كرداً) الذين يتنافسون في “الضوء” (على المنصات والإعلام)، لكنهم “يتواطؤون” في “الظل” على “قاعدة” واحدة: “ممنوع دخول لاعبين جدد”. “الكارتل السياسي” هو “النادي” الحصري الذي يملك حق إحتكار سياسة البلاد. ولضمان إقصاء المنافسين الى الأبد أتخذ أول قراراته بـ“تغيير قواعد اللعبة”.
“قانون تشرين” كان “خطراً” لأنه يشجع “المنافسة الفردية” المتمثلة بـ(الدوائر الصغيرة). فكان لا بد من “الردة”.
“قانون الردة” (الذي أُقر في آذار 2023) كان “التحفة” الهندسية لهذا “الكارتل”. آمنت أمرين خطرين:
1.وأد “المكان”: ألغى “الدوائر المتعددة” (83 دائرة)، وأعادنا إلى “الدائرة الواحدة” (المحافظة).
2. وأد “الصوت”: أعاد “الوحش” الحسابي: “سانت ليغو”، وبـ “قاسم” معدل (1.7 أو 1.9، لا يهم الرقم، بل “الفلسفة”).
وهذا ما يمكن أن نطلق عليه “هندسة الإقصاء”. “سانت ليغو المعدل” ليس “آلة حاسبة”، إنه “جدار” عالٍ. صُمم لـ“إقصاء” المستقلين والأحزاب الناشئة. إنه يقول للناخب: “إذا صوّت لحزب صغير أو مستقل، فإن صوتك لن يذهب اليه، بل سيُستخدم كـ “مساند” إضافية لمقاعد “الكارتل” الكبيرة”. إنه “نظام” “يشترط” على “الصغير” أن يحصل على “مئة ألف” صوت (مجازاً) ليفوز بالمقعد الأول، بينما يسمح لـ “الكبير” أن يفوز بالمقعد الخامس والسادس بـ “عشرين ألف” صوت فقط. إنه “يقتنص” الأصوات “الضائعة” (أصوات الذين فشلوا في عبور الجدار)، ويحولها إلى “هدايا” للكبار.
نحن لا نتكهن. أجرى “الكارتل” “تجربة حية” لـ“سلاحهم” الجديد. كانت “انتخابات مجالس المحافظات” (كانون الأول 2023) هي “البروفة” التي أثبتت نجاح “الهندسة”.النتيجة كانت “مبهرة” لـ“الكارتل”: المستقلون الذين فازوا بـ 40 مقعداً في 2021، “تبخروا” تماماً في 2023. الأحزاب الناشئة “تلاشت”. بينما “اكتسحت” قوائم “الكارتل” (نبني، دولة القانون، قوى الدولة، إلخ) “الأخضر واليابس”.
معركة محسومة
نجحت “البروفة”. وأصبح “السلاح” جاهزاً.
هكذا، دخلت البلاد انتخابات 2025 بـ“قانون” لا يضمن “العدالة”، بل يؤمن “البقاء” لـ “الكارتل”.
إن “هندسة الظل” هذه هي التي جعلت “المعركة” محسومة قبل أن تبدأ. لم تكن المعركة في تشرين الثاني 2025، بل كانت في آذار 2023.
“الانتخابات”، إذن، لم تكن “سباقاً” لاختيار “الأفضل”، بل كانت “عملية” لإعادة “توزيع الحصص” بين “أعضاء الكارتل” أنفسهم، بعد ضمان خلو “الساحة” من أي منافس جديد.