ياسين يروي في المنفى الحكايات باللون والضوء: أسعى إلى لوحة تكون مرآة داخلية
بابل - كاظم بهية
من حلب إلى برلين، ومن الصحافة إلى الفنون البصرية، يروي التشكيلي السوري أحمد ياسين، قصة إبداع تمتد عبر محطات متعددة من الجهد والتجربة. في عام 2015، وصل إلى ألمانيا، ليعيد تشكيل مسيرته الفنية في بيئة جديدة، حيث واصل دراسته في جامعة الفنون في برلين، وحصل مؤخرًا على درجة الماجستير في «الفن في السياق» بتقدير جيد جدًا لم يكن هذا المسار الأكاديمي سوى جزء من تجربته الغنية، إذ انخرط منذ سنواته الأولى في برلين في المشهد الفني المحلي، مشاركًا في معارض ومشاريع فنية تستكشف الهوية، المنفى، والذاكرة الجمعية.والفروق الثقافية والانطباعات التي تحاكي خواص المدن.
ويقول ياسين لـ(الزمان) (انا فعليا عملت مراسلا تلفزيونيا وعملي بالصحافة استمر منذ الصف السابع حيث كانت اول مقالاتي وكان لوالدي ولمدرس اللغة العربية الفضل في خلق قدرة تعبيرية عن طريق الخطابة والالقاء اما ابي فكان قارئا ولديه ضعف بالجرائد اليومية حيث كان يوزع لنا صفحات الجرائد لي ولاخي وعلينا بالمساء تلخيص ماقرأنا .انا اعمل في الصحافة واخراج الافلام لوقتنا الحالي). و ياسين من مواليد سوريا، حيث درس الفنون في جامعة دمشق، ثم عمل مدرسًا للفنون قبل أن تدفعه الأوضاع السياسية إلى العمل الصحفي، موثّقًا الأحداث كمراسل مستقل بين عامي 2011 و2015. ولفت (اعتقد ان الصحافة يمكن اعتبارها فنًا، لكنها أيضًا مهنة ورسالة. فالصحافة تصبح فنًا عندما تتجاوز نقل الخبر الخام إلى صناعة نص حي ومؤثر: عبر اختيار الكلمات، بناء السرد، إبراز التفاصيل، وتحريك مشاعر القارئ أو دفعه للتفكير.في هذا الجانب، الصحافة تشبه القصة، والرسم، والسينما كلها تحكي الحقيقة أو تصور فكرة بطريقة تتطلب موهبة، إحساس، وخيال اما الرسم والتصوير والنحت هي حالات من التفرد وهي يمكن ان تكون خاصة ويمكن ان تشارك مع الجمهور لكن تبقى حالة التفرد لدى الفنان والنقل بينه وبين عمله الفني امر يصعب ترجمته). واشار ياسين الى مدى تأثير التيارات التشكيلية المعاصرة والمتنوعة على تجربته والهوية العربية فائلا (التيارات التشكيلية المعاصرة مثل التعبيرية، المفاهيمية، التجريدية، الأرضية، وغيرها أثّرت بشكل كبير على أي فنان أو مبدع يعيش في زمننا لأنها فتحت الأبواب أمام التحرر من القوالب الكلاسيكية ومنحت حرية لا متناهية للتعبير، بالنسبة للهوية العربية، التأثير كان مزدوجًا: من جهة، سمحت هذه التيارات للفنان العربي أن يكسر السرديات النمطية عن «الشرق» و»التراث» وأن يعبر عن ذاته الحديثة والمعقدة بعيدًا عن الفولكلور الاستشراقي.ومن جهة أخرى، خلقت تحديًا خطيرًا: كيف يحافظ الفنان على روح لغته البصرية العربية وسط طوفان العولمة الفنية؟ كيف لا يذوب صوته في نماذج غربية جاهزة؟).
ويضيف عن التجربة الشخصية ان (التيارات التشكيلية فتحت لي أفق التحرر من فكرة أن الفن يجب أن يكون وصفًا للواقع أو تبجيلًا للماضي.لكنها دفعتني أيضًا للبحث العميق في جذوري العربية ليس لتقليد التراث، بل لاستلهام إيقاعه، خطه، روحه، ولإعادة توليده بلغة معاصرة أصبحت أؤمن أن الهوية ليست ما نرثه، بل ما نصنعه ونجدده بحب وشجاعة، بحيث يغني حضارتنا ويجعلنا نرسم تاريخا كما اجدادنا بمعنى آخر: الحداثة العالمية فتحت لي السماء، لكن الأرض التي أقف عليها ظلت عربية).
رؤية فنية
وعن الاسلوب والمنهج الفني الذي يتبعه في اعماله التشكيلية قال (سؤالك هذا يحفر في عمق الرؤية الفنية لو أردت أن أصوغ إجابة نموذجية عن «الأسلوب والمنهج الفني» الذي قد يتبعه فنان يعيش أسئلتك، سأقول: لانني تعلمت الفن في ثقافتين مختلفتين وباساليب تعليمية مختلفة لعبت دورا في شغفي بالعمل البحثي عن تاريخ الفن وعلومه اعتقد الأسلوب الفني الذي أتبعه في أعمالي هو أسلوب هجيني، لا ينتمي إلى مدرسة واحدة بل يستلهم من التعبيرية والرمزية والتجريدية أسعى أن تكون اللوحة أو العمل الفني مرآة داخلية، حيث يتداخل اللون مع الفكرة، وتصبح الخطوط والتكوينات أدوات لالتقاط لحظة شعورية أو سؤال وجودي المنهج الفني الذي أتبعه يقوم على عدة مراحل: الإنصات الداخلي أولًا: العمل الفني يبدأ بفكرة أو إحساس عابر (أحيانًا ألم، دهشة، سؤال)، فأحاول أن أتركه ينمو داخليًا دون استعجال.البحث البصري: أحيانًا أدرس رموزًا بصرية أو نصوصًا أدبية أو تراثية لأثري العمل بعمق ثقافي غير مباشر.التجريب المستمر: لا أقدس الخامة أو التقنية. أستخدم ألوان زيتية، أكريليك، مواد طبيعية أحيانًا (تراب، قماش خشن، رماد)، وحتى نصوص مكتوبة بخط اليد داخل العمل.
واضاف (أتعامل مع كل لوحة وكأنها كائن حيّ يتطور معي أعود إليها مرات، أمحو وأضيف، أستمع لما تطلبه هي، وليس لما خططت له أنا بالمجمل: لا أبحث عن الكمال التقني، بل عن الصدق التعبيري أؤمن أن العمل الذي يكون متكاملا بين الريشة واليد والمتلقي أقوى من العمل المتقن الذي تتدخل به الآلة). ونوه ياسين عن كيف استطاع في الغربة ايصال رسالته(بعد اقامة اكثر من 60 معرض ومعارضي مع الجامعة وورش العمل وكمدرس فن، وجدت ان العقل الألماني، خاصة المتلقي المهتم بالفنون، يحترم جدًا الصدق والعمق أكثر من احترامه للزخرفة أو التكنيك السطحي حين تكون الأعمال نابعة من جرح حقيقي، سؤال صادق، أو تجربة وجودية قوية، فإن المتلقي الألماني حتى لو جاء من خلفية ثقافية بعيدة عني يستطيع أن يتجاوب لكنه أيضًا عقل تحليلي، لا يكفي أن يشعر، بل يريد أن يفهم:ماذا تقصد؟ لماذا استخدمت هذه الخامة؟). على مدار مسيرته، قدم ياسين أعماله في أكثر من 60 معرضًا فنيًا داخل ألمانيا وخارجها، من أبرزها مشاركته في معرض «documenta» في كاسل (2023)، ومهرجان «كرنفال الثقافات» حيث حصل على الجائزة الأولى عن فئة الأطفال والشباب، إضافةً إلى معارض كبرى في برلين مثل «برلين جلوبال» في منتدى همبولت، و»الفن بلا حدود» في أكاديمية أوروبا كما كان له إسهام في الإنتاج الوثائقي عبر سلسلة «فنانون في المنفى» التي وثّقت تجارب المبدعين في المهجر.