القوم في السر غيرهم في العلن
ضرغام الدباغ
القادة الناضجين، من أصحاب التجربة والعقلاء، الذين اكتسبوا الخبرة من الدراسة، والتجارب معاً، تجاربهم وتجارب غيرهم، أما أولئك الذين يشتغلون بالخيرة ... فليعينهم الله ويعين شعوبهم المسكينة التي ستكون كحقول تجارب بأيدي أمثالهم.
من المبادئ الرئيسية التي تعلمناها في سنين الشباب الأولى « التمرين يوفر الدم في المعركة «، وكذلك أن الوحدات المشاركة في التمرين، مهما كان أداءها مثالياً، ولكن لابد من حدوث أخطاء، والحكمة في التمارين هي التعلم والاستفادة من الأخطاء ودراستها لتلافيها في التمارين، أو في المعارك المقبلة.
وهناك حكمة مهمة للغاية نتعلمها من الفلاحين، أنك مهما كنت مراعيا الأصول ودقيقاً في زراعتك، وفي خبرتك وخدمتك لما تزرع، وتبذل العناية الفائقة في الحصاد، إلا أنك ستحصل على محصول أقل مما كنت تقدر وتعتقد، لأسباب كثيرة جداً منها، آفات وحشرات تضرب الزرع، وطيور تقتات على ما يزرع الإنسان ...ناهيك عن تقلبات الطقس ...! وهنا كثيرون من الفلاحين يعتمدون على المطر ويسمونها « زراعة ديمية «لذلك فأن الفلاحين من ذوي الخبرة حين يتأمل الأرض المزروعة سيقدر حجم الحصاد، ولكنه يدرك أن حجم الحصاد سيكون أقل مما قدر وخمن. وحجم البيدر سيعطيك نتائج غير ما كنت تأمل وتتوقع. في مرحلة الزراعة، أو الحصاد، وفي المرحلة الختامية في فصل الحبوب عن القش، هناك المزيد من التقلص في الناتج النهائي ...
الحكمة في هذا المثل الرائع « حسابات البيدر غير حسابات الحقل « تتمثل بأن على من يلج في عملية متعددة المراحل، أن يحسب حساب القوى الجانبية، والتي لبعضها دور في تقليص حجم انتاجك. ففي حسابات البيدر تدخل الطيور، والحشرات، والحكمة تدعوك أن لا تبخس دورها، فالطيور تلتهم جزءا كبيرا من المحصول في المانيا، وفي الصين كانت العصافير تشارك الناس في غذائها، لذلك استوجب مكافحتها، وربما هناك عناصر أخرى، وهم اللصوص الذين يسطون على حاصل جهدك، وهذه تزداد في الحالات الغير زراعية ... وهناك من السياسيين « الديم «ممن يعتمدون على الدعم الخارجي، بعض ممن يسطون يتمتعون بدعم وأسناد قوي يجعلهم يفعلون ذلك بلا خوف ولا وجل، ودون أن يخشون العقاب ... وفي هذا قيل المثل الشهير « من أمن العقاب أساء الأدب «.
ومن دروس الحياة السياسية، أنك حين تشارك في عملية ما، وهنا نكبر المسألة بعض الشيئ، فنقول عملية زراعية أو صناعية، أو تجارية ... عليك أن تضع في حساباتك العناصر الطفيلية، التي تقتحم الانشطة الاقتصادية. العصافير ولها حوصلة صغيرة جداً، قد تكتفي ببضعة حبات من القمح أو الشعير، ولكن في العمليات الصناعية والتجارية، ولكن حوصلة المرتشين والنهيابين اللصوص لا نهاية لحجمها .. في قصيدة شاعر العراق الكبير معروف الرصافي الكثير من العبر، وتستحق أن تدرس واستخلاص العبر منها :
لا يخدعنك هتاف القومِ بالوطنِ
فالقوم في السرِ غير القومِ في العلَن
لم يقصدوا الخير بل يستذرعون به
رميا إلى الشر أو قصدا إلى الفتن