الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
ملامح تحوّل في البنية السياسية العراقية

بواسطة azzaman

ملامح تحوّل في البنية السياسية العراقية

محمد علي الحيدري

 

تُظهر اللحظة السياسية الراهنة في العراق تحولات دقيقة لكنها عميقة في بنية النظام السياسي. فالانتخابات المقبلة، بكل ما تحمله من رهانات، لم تعد مجرد محطة دورية لتجديد الشرعية، بل تحوّلت إلى مرآة تعكس تصدعات أوسع في أنماط التمثيل وخرائط التأثير داخل مختلف المكونات السياسية.

الساحة الشيعية، التي لطالما شكلت محور التوازن الداخلي في العقدين الأخيرين، تبدو اليوم موزعة على ثلاثة خطوط: خط حكومي يسعى إلى ترسيخ إنجازات في إدارة الدولة ومراكمة الثقة الشعبية، وخط تقليدي يستشعر تراجعًا في حضوره الرمزي والتنظيمي، وخط ثالث – يتجلى في التيار الصدري – يختار الانسحاب لا تعبيرًا عن ضعف، بل رفضًا لطريقة إدارة النظام من داخله.

هذا الانسحاب لا يمكن قراءته بمعزل عن التحولات في مفهوم “التمثيل الشيعي” ذاته. فالتيارات التي كانت حتى وقت قريب تتشارك الهيمنة على القرار السياسي، بدأت تتباعد رؤيويًا، حتى مع استمرار تقاطع مصالحها. ومع غياب التيار الصدري عن الانتخابات، تُطرح أسئلة جادة حول طبيعة التوازن المقبل، ومدى شرعيته التمثيلية، وإلى أي حد يمكن أن ينتج عنه استقرار طويل الأمد.

في المكون السني، لا تختلف الصورة كثيرًا. فبعد عقد من محاولات ترسيخ الزعامات وتوحيد الخطاب، عادت التباينات لتتعمق، هذه المرة ليس تحت ضغط التدخلات الخارجية فحسب، بل بفعل التنافس الداخلي على التمثيل المحلي ومراكز القوة في بغداد. أما الساحة الكردية، التي لطالما مثّلت نموذجًا نسبيًا للتماسك، فهي تشهد بدورها مراجعة داخلية عميقة لعلاقات القوة بين الأحزاب التقليدية، مع صعود أجيال جديدة ومطالب أكثر صرامة بتمثيل فعلي لا رمزي.

الجامع بين هذه التحولات ليس الصراع على السلطة، بل غياب المشروع السياسي الجامع. فالتنافس القائم حاليًا – رغم مشروعيته الدستورية – لا يستند إلى روايات وطنية متكاملة، بل إلى مقاربات جزئية تتعامل مع الدولة كمجموعة حصص، لا كإطار توافقي تُعاد هندسته وفق تحولات الواقع.

في ظل هذا السياق، تبدو الانتخابات المقبلة كمحطة لاختبار بنية النظام أكثر من اختبار توازنات القوى. فالمشكلة لم تعد في من يترشح أو ينسحب، بل في مدى قدرة المنظومة على استيعاب الاختلاف، وتجديد شرعيتها دون الحاجة إلى قطيعة كلّية مع قواعد التفاهم السابقة.

الخطاب السياسي السائد، وإن اتسم بالتوتر في بعض الأحيان، يعكس مخاوف حقيقية من اختلال التوازنات، لكنه أيضًا يعبّر – وإن بشكل غير معلن – عن إدراك متزايد لحاجة العراق إلى مراجعة شاملة في صيغة الحكم وتوزيع السلطة، وربما في فلسفة الدولة نفسها.

الفرصة لا تزال قائمة لتطوير هذه اللحظة إلى لحظة مراجعة عميقة، تتجاوز معادلات “من يحكم” إلى سؤال “كيف نحكم؟”؛ وتنتقل من رهانات الصراع إلى استحقاقات البناء المؤسسي الذي يحتاجه البلد بشدة.

 


مشاهدات 90
الكاتب محمد علي الحيدري
أضيف 2025/05/10 - 12:45 AM
آخر تحديث 2025/05/10 - 3:37 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 250 الشهر 11499 الكلي 11005503
الوقت الآن
السبت 2025/5/10 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير