كل شيء تحت السيطرة ما عدا كل شيء

محمد رسن

المهرجون يدعونك للاحتفال لاتعبيرا عن يقين بصدق المسار فالخِرق التي يلوحون بها لا تنقذ غريقا ولاتضمد جراحا، بل ليصنعوا منها تيجانا يضعونها على رؤوسهم فيرتفعوا ولو على أكتاف المهانين فهم يُحسنون تحويل الانتكاسات إلى زينة والهزائم إلى وسام، وما دامت الجماهير ادركت بمقولة (حين يغيب الخيار، يُصبح الأسوأ هو المعيار) لذا توجب عليها الاحتفال. بعضهم يدعوك للتسبيح بحمد ربك الأعلى لأن أولي الأمر أقروا لك قوانين منحوك بموجبها حياة تموت فيها خارج السجن!؟ وميتة لاتشبه كل الميتات.

بعضهم يحسد هذا الشعب الليبرالي العتيد لأنه أوجد البديل، وان كان هذا الاخير يحتفل مع الجموع بانهيار الجدار الأخير. في كثير من الأوقات، لا تكون المأساة في فقر الشعوب أو أزماتها الاقتصادية، بل في تعوّدها على هذا الفقر ورضاها به كأنه قدر لا مفر منه، حين تفقد الشعوب البوصلة التي ترشدها إلى ما تستحقه فعلا، تصبح الحقوق مجرد أمنيات، والمطالب العادلة تُصور على أنها تجاوزات أو تهديد للاستقرار، الدولة التي تُفقد شعبها الشعور بالاتجاه تُصبح هي المتحكمة الوحيدة في تعريف المسموح والممنوع، المأمول والمستحيل. وحين تصنع بنفسها الخطوط الحمراء، وتضفي عليها هالة من القداسة، فهي بذلك تضيّق على وعي الناس وتمنعهم من الحلم بما هو أكبر من الواقع القائم. إن مهمة الدولة لا يجب أن تكون في إقناع الناس بالقليل، بل بتمكينهم من السعي نحو الأفضل، لكن حين تتحول هذه المهمة إلى إدارة الرضا والحد من الطموح، فإننا أمام مشروع طويل الأمد لتدجين الوعي وتقييد الإرادة الشعبية، إن أخطر ما قد تصل إليه أي أمة هو أن يقتنع شعبها أن الكفاف كفاية، وأن الصمت حكمة، وأن المطالبة بالحق تجاوز، هنا، لا يعود الخطر خارجيا، بل ينبع من الداخل، من فقدان الإحساس بما يستحقه الإنسان من كرامة وعدالة وحرية، وبعض من هذا الشعب التليد يرفع رايات النصر على جثث المعنى لا لتباهي، بل لتدان التيجان التي لم تسجد لقادته، شعبٌ تاه لا لِضعف فيه

بل لأن قادته زيفوا لهُ الجهات وأفقدوه البوصلة فما عادَ يعرف ما يريد شعب تَركوه في التيه منذ البكاء الأول يخطو ولا يدري أضل الطريقَ أمِ الأملْ.