الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
حنين لا جهة له

بواسطة azzaman

حنين لا جهة له

هدير الجبوري

 

كانت تلك المرأة أشبه بوردة نبتت في صخر، لا ظلّ لأب يحميها من وهج الحياة ورعبها، ولا دفئ في كفه كي تمتد لتطمئنها.  لم تبكي على اليتُم وحده، بل على طفولة اغتيلت قبل أن تحفظ جدول الضرب، قبل أن تفهم أن للدُمى أسماء، وأن للنوم حكايات ما قبل الغفوة.كبرت فجأة، كأن الزمن استعجلها، وكأن البراءة كانت عبئاً ثقيلًا لا يليق بها

 متعثرة، مليئة بالتشظي، لا مرآة تُجمّل وجهها، ولا أذنٌ تصغي لارتباكها. فقط فوضى في القلب، وألف سؤال بلا إجابة.ثم جاء أوان الشباب، أول الوهم  حملت إليه قلبها كما تحمل الطفلة وردة لأبيها، لكنه رحل، تركها على أعتاب خيبتها، وعلّمها الدرس الأول: أن حتى الحلم قد يخون.هربت، لا بحثاً عن أمل، بل خوفاً من ألمٍ آخر. واختارت وضعاً أشد وطأة في حياة لا تشبهها، مليئة بالصخب والغربة، وظروف نسجت لها مكاناً لا تنتمي إليه، وبيئة لا تليق بروحها الرقيقة. اعتقدت أن الألم الأقل قسوة هو النجاة، فلم تعلم أن للهرب أوجاعاً أخرى.السنوات مرّت بها وهي تقف في الزاوية الخطأ من الحياة. لا تزرع، ولا تُزهِر، فقط تقاوم. الوحدة صارت رفيقتها، والغربة عشَّشت في صدرها. لا أحد يفهم، لا أحد يُصغي، لا أحد يرى الألم خلف عينيها. حياتها متشظية كقلوب اللاجئين. لا دفئ فيها، ولا صوت يُناديها بأسم ناعم بين الحروف. عاطفتها جوع مزمن، تسعى إلى الحنان كأنها تغوص في قاع البحر بحثاً عن نفس أخير.

تهرب من وجع إلى آخر، من ذاكرة إلى وهم، من وطن داخلي محروق، إلى أماكن لا تحمل سوى الوعود الباردة. حتى الهروب لم يسعفها حتى الغياب لم يمنحها نجاة.

كلّ ما فيها يقول: أريد حضناً. أريد حياة لي أريد أن أكون فقط... بخير.

لكن لا أحد يسمع.

 


مشاهدات 45
الكاتب هدير الجبوري
أضيف 2025/04/25 - 6:38 PM
آخر تحديث 2025/04/26 - 9:25 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 1153 الشهر 28620 الكلي 10909267
الوقت الآن
السبت 2025/4/26 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير