فم مفتوح .. فم مغلق
التعليم العالي لطفاً .. خطر يهدّد مصداقية العلم
زيد الحلي
مددتُ يدي إلى حاسوبي، وبدأتْ أصابعي تعزف على لوحته موسيقى الكتابة، فقد آن أوان تسليم عمودي للنشر في « الزمان» وأمامي جملة من القضايا تشغل فكري، أجد أن طرحها أمام الرأي العام يُعدُّ من صميم الواجب المجتمعي ، ومن بين تلك القضايا، ما آلت إليه حال رسائل الماجستير والدكتوراه في الآونة الأخيرة، إذ غدت «ألوكةً» مُرَّةً على ألسنة الناس... فماذا وراء هذه الحكاية؟
لقد باتت وسائل التواصل الاجتماعي، التي يُفترض أن تكون منابر للمعرفة والتنوير، مرتعًا لعروض رخيصة تتناول صلب العملية الأكاديمية، وتُسيء لمكانة العلم وحرمة الشهادات العليا. صفحات ومكاتب ومواقع إلكترونية تعلن – جهارًا – عن «خدمة» إعداد الرسائل الجامعية، وكأنها بضائع تُباع في الأسواق، بلا أدنى احترام للجهد أو الفكر أو الضمير العلمي.
هذا الانحدار لا يُعدّ سلوكًا فرديًا هامشيًا، بل ظاهرة تنذر بالخطر، تهدد البنية الأخلاقية للمجتمع الأكاديمي، وتفرغ الشهادات من مضمونها وقيمتها. كيف يمكن لنا أن نطمئن لمستقبل يقوده من لم يكتب أطروحته، ولم يذق طعم البحث ولا مرارة المحاولة؟ كيف نثق بمُخرجات تعليم عالٍ صار البعض يتعامل معه كصفقة تجارية؟
الأدهى من ذلك، هو الصمت! صمت الجهات المعنية، وصمت كثير من المؤسسات التي يفترض بها أن تكون الحارس الأمين على جودة التعليم ونزاهة البحث العلمي. هذا السكوت يُفسَّر على أنه تواطؤ غير مباشر، ويمنح المتجاوزين جرأةً أكبر على التمادي.
إن مسؤولية التصدي لهذه الظاهرة لا تقع على جهة واحدة، بل هي مسؤولية تشاركية بين وزارات التعليم، والدوائر الأمنية ، والمؤسسات القضائية، فضلًا عن الإعلام والمجتمع المدني. فلا بد من تشريعات واضحة، وإجراءات رادعة، وحملات توعوية، تعيد الاعتبار لقيمة العلم، وتصون قدسية الجهد الأكاديمي، فالدفاع عن نزاهة التعليم العالي واجب أخلاقي . ان العلم أمانة، ومن يفرّط بها، يسهم في إضعاف الأمة وتراجعها. فلنحفظ للعلم هيبته، وللباحث مكانته، ولنقف جميعًا ضد كل ما يُسيء إلى قدسية المعرفة.
أيها السادة، إن العلم ليس ورقة تُشترى، ولا درجة تُستعار، بل هو سلوك ومنهج وأمانة. ومن يفرّط في تلك الأمانة، لا يسيء إلى نفسه فحسب، بل إلى وطن بأكمله. لنحفظ للعلم هيبته، وللشهادة وزنها، ولنقف صفًا واحدًا في وجه هذا العبث الذي لا يليق بماضينا، ولا يُطمئن إلى مستقبلنا.
Z_alhilly@yahoo.com