مشاهدات من كردستان الحلقة (6)
شقلاوة قبلة المصطافين والمدينة السياحية الأولى بإمتياز
رعد أبو كلل الطائي
شقلاوة مدينة تابعة لمحافظة أربيل في أقليم كوردستان تقع على سفح جبل سفين الشامخ الذي يبلغ أرتفاعه حوالي ألف و800 مترٍ، وفي وادٍ فسيح وخصب، ويحُد المدينة من الشرق والشمال سلسلة جبل سورك ذو التربة المعدنية الحمراء، ومن الغرب والجنوب سلسلة جبل سفين المكسوة بالغابات الكثيفة والأحراش الطبيعية، وتُغطي شقلاوة وتُحيط بها من كل جانب الأشجار الكثيفة المتنوعة والعفص والزعرور والبلوط والتين والعنب والكوجة والتفاح والبرتقال والفواكه الأخرى المتنوعة، والتي تشكل مورداً اقتصادياً إضافياً لأهالي شقلاوة فيما يعيش في هذه الجبال الحيونات البرية المختلفة كالخنازير والتيوس والقرود والطيور بأنواعها والذئاب والصقور والقبج الذي يُكثر فيها وغيرها مشكلة محميةً حكومية يُمنع فيها الصيد، ويقع القضاء على بُعد 51 كم من شمال شرق أربيل وبين جبلي سفين على يمين المدينة وسورك على يسار المدينة.
تسمية شقلاوة
لم يتفق المؤرخون على تسمية شقلاوة، إذ أورد كل منهم استنتاجاً خاصاً به، لكن المعروف إنه في القرن الثاني عشر الميلادي لم يُذكر أسم شقلاوة وقد أورده ياقوت الحموي في كتابه معجم البلدان تحت أسم (شعلاباد) بينما وردت في كتب طقوس الكنيسة المحفوظة بأسم كنيسة (شعلاباذ)، وتحت أسم (شقاباذ) وردت في كتاب تأريخ ميران سوران لكاتبه حسن حزني في حين وردت بأسم (شاقلي اوا) في كتاب تأريخ الكرد وكوردستان للكاتب محمد أمين زكي، كذلك لا يُعرف تأريخ تأسيس البلدة، وتتميز شقلاوة بوجود عدة كنائس قديمة ودير آثاري يعرف (دير الربان بيا) إذ يرجع بناؤه إلى القرن الرابع الميلادي، كما أصبحت لاحقاً مركزاً هاماً للمسيحية بالمنطقة وخاصةً بعد تحول أهلُها إلى الكثلكة منذ القرن الثاني عشر الميلادي، كما عُرف عن البلدة شُعرائها ونُساخها الذين نشطوا في دير الريان هرمز.
ويعيش منذ القدم في القضاء الكورد المسلمين والمسيحيين الكلدان، والغالبية من سكانها هم من الكورد المسلمين، كما كان يسكُنها في السابق كذلك اليهود
لكنهم غادروها عندما هاجر يهود العراق في عام 1955م إلى (إسرائيل). ويتألف القضاء من خمس نواحي هي، هيران وصلاح الدين وحرير وباسرمه وباليسان، وكان القضاء في العهد العثماني ناحية، وإول مدير ناحية كان يدعى شفيق أفندي وأصبحت قضاءً في عام 1952م، وأول قائممقام للقضاء هو شاكر فتاح، وكان القضاء يتبع محافظة أربيل، وتأسست أول مدرسة ابتدائية للبنين فيها عام 1922م، تلتها مدرسة ابتدائية للبنات في عام 1953م، في حين تم افتتاح اول ثانوية مختلطة في عام 1952م، أما أول متوسطة للبنات فقد اُفتتحت في عام 1965م في حين تم افتتاح أول كلية في شقلاوة في عام 2012م.
اما الخدمات الصحية في البلدة فقد تم افتتاح أول مستوصف صحي في أواخر العشرينيات من القرن الماضي، ثم شيدت الحكومة الملكية في عام 1929م أول بناء لمركز صحي وتلاه افتتاح مستشفى الجمهوري في عام 1958م وكان يحتوي على 29 سريراً ومذخراً للأدوية، اعقبه تشييد مستشفىً آخر يحتوي على عدة ردهات للباطنية والقلبية ومرافقهما الخدمية ويتسع 150 سريراً.
وتأسست أول دائرة بريد في عام 1938م، وأول دائرة نفوس في عام 1940م، وأول دائرة غابات في عام 1940م، وأول محكمة في عام 1946م، ودخلت الكهرباء للقضاء عام 1952م، ومشروع إسالة الماء عام 1945م.
فصول القضاء ومناخه
ومناخ شقلاوة يختلف حسب فصول السنة، ففي الشتاء تهطل الأمطار الغزيرة والثلوج، وكان سكان شقلاوة في القديم يبنون مواقد من الطين تستعمل للطبخ والتدفئة وكذلك كان يستخدمون مدافئ توقد بالأخشاب وهي الأخرى للتدفئة، وحديثاً يستعملون المدافئ النفطية والغازية والكهربائية إلى جانب المدافئ الخشبية القديمة، أما في فصل الربيع الممطر تُغطى المدينة وتلبس وما حولها اللون الأخضر رائع الجمال، ويكون طاغياً على الجبال والتلال والوديان والسهول المحيطة بالمدينة وبما إن شقلاوة تمتاز بطبيعتها الخلابة ومناخها العليل وهواؤها النقي ولموقعها المطل على سفح جبل سفين واحاطتها بالبساتين والخضرة والأحراش اعطاها ميزةَ الفرق بدرجات الحرارة في فصل الصيف فصيفُها مُعتدل الحرارة والتي تصل الحرارة فيها ما بين 30 - 35 درجة مئوية، أما في فصل الخريف ترتدي المدينة الثوب الأصفر الذي يرمز إلى تبدل لون أوراق الأشجار، أما مواردها المائية فهي تعتمد على الجداول التي تنشأ نتيجة الأمطار الغزيرة والثلوج عند التقائها، ويتألف منها أنهاراً صغيرة فضلاً عن العيون المائية التي تنحدر من جبل سفين والتي تجري في سواقٍ كونكريتية نظيفة داخل أحياء شقلاوة وهي صالحة للشرب وتكون باردة في فصل الصيف، وباردة جداً في فصل الشتاء.
تشكيلات شقلاوة الإدارية
كان سراي شرطة وقائممقامية قضاء شقلاوة في قشلة القضاء الحجربة المحصنة وكان والدي المرحوم بين عامي 1962م و1963م يشغل منصب ضابط شرطة القضاء فيما كان المرحوم سعيد زيني يشغل منصب قائممقام القضاء، وإن معظم دوائر القائممقامية كانت في داخل هذه القشلة، أما الباب الرئيسي للقشلة، وحسب ما أتذكر كان مصنوعاً من الحديد القوي وبشكل طولي من الأسفل إلى الأعلى وبقيَ هكذا لحد الآن، في حين كان سكن عائلتنا يقع بالقرب من جبل سفين ومحاذياً لسفحه ومبنيٌ من الحجر ويبعد عن مركز القضاء بحدود نصف ساعة مشياً على الأقدام، وكنت حينها أذهب إلى المدرسة كذلك مشياً على الأقدام متحملاً البرد والمطر وأحياناً الثلوج خلال الشتاء.
الذهاب إلى شقلاوة
استقليتُ مركبة من محطة نقل المسافرين الشمالية (ترمنل) في أربيل قاصداً مصيف شقلاوة وسلكنا الطريق السريع الشمالي وخلال سيرنا كنا نرى على طول جانبي الطريق مئات المجمعات والمشاريع السكنية الضخمة والتي تضم عمارات وأحياء سكنية وبيوت وفلل فاخرة تمتد على مد البصر وعلى طول الطريق وحتى منطفة خانزاد وباستورة ونفق بيرمام الذي يبعد عن مركز أربيل بواقع 20كم، ثم اتجهنا نحو النفق الذي يخترق جبل بيرمام والذي تغفو فوقه ناحية صلاح الدين، وهذا النفق الذي يبلغ طوله 2كم و417 متراً تم بناؤه حديثاً، في حين كنا قبل بناء النفق نسلك ونتسلق جبل بيرمام من خلال 14 استدارة حتى نصل إلى مركز ناحية صلاح الدين، ثم ننزل من أعلى الجبل إلى اسفله بأتجاه طريق شقلاوة والنفق هذا وفرَ واختصر لنا الطريق والمسافة والزمن إلى شقلاوة بحدود نصف ساعة وعند الأزدحامات قد يستغرق الوقت أكثر من نصف ساعة، وبعد الخروج من النفق تبدأ الرحلة جبلية بأمتياز، وأول مدينة أمامنا هي مدينة (كوره) والتي تحيط بها من كل جانب المرتفعات الجبلية ومناظر طبيعتها الخلابة والأشجار الكثيفة المتنوعة، وبعد ربع ساعة نكون قد وصلنا إلى تخوم شقلاوة فقرية مجمع (كاونيان) المحاذية لجبل سفين ومصيف شقلاوة، ثم وصلنا إلى شقلاوة من جهة الطريق الجديد المحاذي لجبل (سورك)، وهذه المنطقة تسمى محطة خانزاد وهي نقطة لتبضع السياح القادمين من أنحاء العراق وأربيل إذ تتوفر فيها محال لبيع الجرزات والحلويات المصنوعة محلياً، في ذات الوقت تُعدُ هذه نقطة وصل تؤدي إلى مصايف بيخال وكورك وحاج عمران.
وأودُ ان أذكرَ إن نقطة خانزاد ليست إلا محطة صغيرة تقع على الطريق المؤدي إلى مصايف شمال شقلاوة، بينما هناك أماكن كثيرة داخل القضاء تتوفر فيها مساكن وشاليهات (وكبرات) يُمكن إيجارها للسياح وتقع في قلب المدينة وتحيط بها من كل جانب المناظر والمشاهد الطبيعية الجميلة من أشجار الفواكه المتنوعة والبساتين والأحراش الخضراء والغابات، تسرُ الناظر علاوةً على توفر مجمعات سكنية كثيرة في أطراف القضاء وبالقرب من سفح جبلي سفين وسورك وهي الأخرى مخصصة للأيجار أو البيع بأثمان رخيصة فضلاً على توفر الفنادق والشقق المفروشة الراقية.
جبل سفين
أزيدُ وأشيرُ إلى ان جبل سفين مخدومٌ بطريق معبد تستطيع أن تتسلق بمركبتك للوصول إلى أعلى قمة الجبل وهي المسماة بقمة (شيلان)، وغالباً تتغطى بالثلوج في فصل الشتاء، وتكثر فيها مياه الينابيع وهي تتساقط نحو أسفل الجبل لتُغذي وتزود أحياء مدينة شقلاوة وما حولها بالمياه العذبة الصالحة للشرب.
بينما ترى في سفوح سفين مزارع الكروم الطبيعية منتشرةً وهي من صنع الخالق وتفترش مشكلةً لوحات رائعة الجمال، كما تتوفر في سفوح جبل سفين نوعٌ من الخُضرة تسمى (ريواز) تكثر في فصل الربيع ويتم اقتطافها من قبل سكنة القضاء ويتم بيعهــــــــــا في الأسواق على شكل رُزم وهي مــــــادة غذائية وطبية في نفس الوقت.
وبعد كل ذلك أقول: تبقى شقلاوة المدينة السياحية الأولى بأمتياز وإحدى أهم المصايف المشهورة في كوردستان، وقبلة المصطافين الذين يقصدونها من الأصقاع كافة منذ القدم.