بين العلم والتكنولوجيا والفلسفة تساؤلات محيّرة
أكرم ســالم
كان العلم والفلسفة يسيران تاريخيا بطريق واحد متضافر نحو التراكم المعرفي والكشف المتواصل عن المفاهيم وأسرار الطبيعة والكون والمجتمع الانساني..الى ان جاءت التقنيات بكل اشكالها لتلقي بظلالها على تبلور مفاهيم كل منها ولتضع حدودا فاصلة بين المجالات الفلسفية وتلك العلمية والتكنولوجية،اذ كانت التساؤلات الرئيسة التي تثيرها الفلسفة تنصب على نسبية الحقائق ام اطلاقيتها؟ وهل ان الفلسفة مجرد تأملات عقلية ام انها ترتبط بالعمل والتقنيات؟ و هل ان الفهم الفلسفي حقيقة نهائية ام انها ذلك الفهم او المنظور القابل للتغيير الزمكاني؟ وما قيمة التفكير الفلسفي في عالم تهيمن عليه التقنيات والعلم هيمنة متلازمة وبلا انقطاع؟..
شكل رهيب
وهنا وحين بروز وقع التقنيات بكل اشكالها ومزاياها وتطوراتها المستندة للعلم وقوانينه وافرازاته المتسارعة التي آلت الى طرح الاجيال الحاسوبية المتقدمة وتضاعف قدراتها بشكل رهيب وهائل خلال السنوات الاخيرة من هذا القرن وتوصل المهندسين الى الاجيال الحاسوبية الذكية ومن ثم الذكاء الاصطناعي بقدراته المتعاظمة على التعلّم والحوار مع الاخر وعلى صنع القرار وحل المشاكل الصغيرة والكبيرة في جميع المجالات المجتمعية والعملية..هنا اختط العلم منهجا مميزا له نحو الكشف عن الحقائق المتطورة بلانهاية!! والتجريب على اسس واقعية راسخة كرسوخ الجبال تدعمها البيانات والمعلومات المبنية على القياس والمنطق اذ تحولت التساؤلات العلمية الى التجريب و مديات التفسير والتحليل العلمي للظواهر الطبيعية؟ والى ماهية اشكالية التداخل بين العلم والفلسفة ولاسيما في تفسير الكون؟ وماهية الصلات الدقيقة بين العلوم الطبيعية والاجتماعية الانسانية؟وهل ان العلم هو الاداة الوحيدة لفهم الحقيقة ام تظل التحديات الفلسفية وتساؤلاتها قائمة بدون ان تتنازل الفلسفة عن استحقاقاتها المسجلة بإسمها في فلسفة الشك كما اثارها ديكارت بتساؤله المعروف انا افكر اذن انا موجود.او في الفلسفة التنويرية السببية التي مهدت الطريق نحو الصحوة الانسانية من سبات القرون المظلمة، او كما قرر ماركس في انقلابه على الفلسفة الهيغلية في (الايديولوجيا الالمانية) بمقولته «قلبنا الفلسفة الهيغلية رأسا على عقب» في اشارة واضحة وحاسمة الى التوجه نحو الانسان والمجتمع الانساني و التجريب الديالكتيكي والابتعاد عن التصورات المجردة والافكار العقلانية الذاتية المعزولة عن واقعها وبيئتها. وبالتالي ازاء هذه التطورات التي تطالعنا يوميا عن الاشكالية الخوارزمية وتطور اجيال وقدرات الحاسوب والحوسبة الكمومية والذكاء الاصطناعي لابد من طرح تساؤل محوري..هل تساعد التكنولوجيا ولاسيما صورها وأجيالها خارقة الذكاء و(الوعي) وتدعم تحسين نوعية حياة الانسان ؟ام انها تختلق مشاكل وأزمات ومطبات جديدة؟ وهل يمكن ان تكون التكنولوجيا وغطاؤها العلمي عموما آمنة ام ان هنالك احتمالات واردة بقوة لخروجها وتفلّتها عن سيطرة الانسان ومحدداته وقراراته وأصوله الموضوعة من قبله ؟..مازالت هذه التساؤلات موضع حوار ونقاش دسم متواصل ربما يشترك الذكاء الاصطناعي بل سيشترك بكل تأكيد في معمعتها القائمة بلا نهاية..