الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
العمليات التجميلية.. هل تغير الملامح أم الهوية؟

بواسطة azzaman

العمليات التجميلية.. هل تغير الملامح أم الهوية؟

 دعاء يوسف

 

لم تعد العمليات التجميلية مجرد وسيلة لتحسين المظهر أو تصحيح العيوب الخلقية، بل تحولت إلى هوس عالمي يغيّر ملامح الإنسان بالكامل. في عصر الصورة والمقارنات المستمرة على مواقع التواصل الاجتماعي، أصبح السعي نحو "الجمال المثالي" هاجسًا يقود الكثيرين إلى غرف العمليات الجراحية. لكن السؤال الأهم: هل هذه التغييرات تقتصر على الشكل فقط، أم تمتد لتطال الهوية الشخصية والتأثير النفسي؟

الهوية الشخصية بين المظهر والجوهر

الوجه ليس مجرد مجموعة من الملامح، بل هو هوية الإنسان وانعكاس لشخصيته. عندما يقرر شخص ما تغيير شكل أنفه، أو تكبير شفتيه، أو شدّ وجهه ليبدو أصغر سنًا، فهو لا يعدّل مجرد تفاصيل سطحية، بل قد يغيّر الطريقة التي يراه بها الآخرون ويتعاملون معه. التغيرات الجذرية قد تؤدي إلى نوع من "الاغتراب الذاتي"، حيث يجد الشخص نفسه أمام مرآة لا تعكس الصورة التي اعتادها طوال حياته.

في بعض الحالات، يشعر الأشخاص الذين خضعوا لعمليات تجميل مكثفة بأنهم فقدوا جزءًا من هويتهم، وكأنهم أصبحوا شخصًا آخر لا يعرفونه جيدًا. وهذا قد يؤدي إلى نوع من القلق النفسي، أو حتى الاكتئاب، خاصة إذا لم تتطابق النتيجة مع التوقعات.

التأثير النفسي: سعادة مؤقتة أم دوامة لا تنتهي؟

لا يمكن إنكار أن العمليات التجميلية قد تمنح بعض الأشخاص ثقة أكبر بالنفس، خاصة إذا كانوا يعانون من مشكلات تؤثر على تقديرهم الذاتي. لكن في المقابل، هناك من يدخلون في دوامة لا تنتهي من التعديلات، بحثًا عن الكمال الذي لا يتحقق أبدًا.

هذا الهوس يمكن أن يكون مرتبطًا باضطراب نفسي يُعرف باسم "اضطراب تشوه الجسم" (Body Dysmorphic Disorder - BDD)، حيث يرى الشخص عيوبًا مبالغ فيها في مظهره، حتى لو لم تكن موجودة في الحقيقة. هؤلاء الأشخاص غالبًا لا يرضون بأي نتيجة، فيعودون إلى الجراحين لإجراء المزيد من التعديلات، مما قد يؤدي إلى نتائج كارثية جسديًا ونفسيًا.

بين الحاجة والرغبة.. أين نضع الحد؟

العمليات التجميلية ليست شرًا مطلقًا، فهي تمثل حلاً ضروريًا في بعض الحالات، مثل التشوهات الناتجة عن الحوادث أو العيوب الخلقية التي تؤثر على حياة الشخص بشكل حقيقي. لكن المشكلة تكمن في التحول من "تحسين المظهر" إلى "إعادة تشكيل الهوية" بناءً على معايير غير واقعية يفرضها الإعلام والمجتمع.

قبل اتخاذ قرار الخضوع لعملية تجميل، من الضروري أن يسأل الشخص نفسه: هل أفعل هذا لأجل نفسي أم لإرضاء الآخرين؟ هل سأكون أكثر سعادة حقًا أم أنني أبحث عن قبول اجتماعي زائف؟ هل هناك طرق أخرى لتحسين ثقتي بنفسي دون اللجوء إلى الجراحة؟

ختامًا.. الجمال ليس في الملامح فقط

قد تغيّر العمليات التجميلية الشكل، لكنها لا تضمن السعادة أو القبول الاجتماعي. الجمال الحقيقي لا يكمن في تقاسيم الوجه بقدر ما يكمن في الثقة بالنفس والرضا عن الذات. قبل التفكير في تغيير الملامح، ربما يكون الأجدر بنا أن نتصالح مع أنفسنا أولًا، فغالبًا ما يكون التغيير الذي نبحث عنه داخليًا أكثر من كونه خارجيًا.


مشاهدات 151
الكاتب  دعاء يوسف
أضيف 2025/03/01 - 2:59 PM
آخر تحديث 2025/03/04 - 8:06 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 439 الشهر 2045 الكلي 10462994
الوقت الآن
الثلاثاء 2025/3/4 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير