الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
نظام سياسي مختلف وكلام معقول

بواسطة azzaman

همسات ساخنة...ومضات هادئة

نظام سياسي مختلف وكلام معقول

لويس إقليمس

 

مع تزايد اللغط وتباين الآراء والرؤى حول وضع العراق في المرحلة القريبة القادمة، تتعزّز الإرادة الداخلية المقترنة بمعطيات خارجية راهنة ومتوقعة حول مصير النظام السياسي، وجميعُها تشير إلى تغيير حاسم قادم لا محالة. لكنّ السؤال الأهم، كيف ستسير الأمور وماهي السبل والوسائل الكفيلة بشكل ونوع هذا التغيير بعد خروج الأمور عن نصابها وتصلّب الفكر السياسي للزعامات التي تمسك بمداخل السياسة والإدارة ومخارجها خارجًا عن صوت الاتزان الوطني الذي تدعو إليه مختلف شرائح المجتمع، ومنها أطرافٌ غادرت السلطة طوعًا أو قسرً أو من تلك المشاركة فيها لغاية الساعة لأية أسبابٍ أو أغراضٍ لا نريد لها تفاسيرَ ولا مبرّرات ولا محدّداتولا تخمينات. وبما أنّ البلاد على أبواب استحقاقٍ انتخابي فاسد قادمٍ آخر ليلتحق بسوابقه المشوبة بالفساد والتزوير والتلاعب تحت إصرار ارتفاع صوت السلاح والميليشيات والعصابات والمكاتب الاقتصادية لأحزاب السلطة التي ترى في مقترح تواريها وتنحيها خسارة للمال والجاه والنفوذ لها كما للمذهب، فإنّ الصراع سيكون على أشدّه ومن دون رحمة هذه المرة. هذا إن تسنّت الفرصة لعقد هذه الدورة المشكوك في إجرائها بسبب المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية التي تدور حول المنظومة السياسية الحاكمة القائمة في البلاد منذ أكثر من 22 عامًا من دون حسم الاستحقاق الوطني الأصيل وسيادة شعب العراق على نفسه وأرضه وثرواته من دون تبعية ولا ذيلية لحاضنٍ إقليمي منبوذ من العالم كلّه. وهذا لا يمكن تحقيقُه إلاّ بالعودة الصحيحة والمتوازنة للحضن العربي بتفاعل الشعب بكافة مكوّناته مع الوضع الإقليمي والدولي المتزن الذي يحفظ لشعب العراق صيانةَ حضارته وعيش ثقافته وتفاعلَ تعدديته الدينية والعرقية والمجتمعية على السواء.

طرف واحد

من الواضح أنّ مَن يتحكم بمقاليد العراق وثرواته وموازناته ويقود دفّة الحكم فيه وبسياسته الداخلية والخارجية هو طرفٌ واحد بلونٍ واحد وحزب واحد أجادَ اللعبة وأدارَها بدعم واضح من الغازي الأمريكي وبرعاية رئيسين أمريكيين سابقين جدليّين بعد احتلال العراق في 2003. والمقصود بهما هنا، الرئيس الأهوج جورج بوش الابن بعد اختلاقه الأكاذيب بشأن خفايا رئيس النظام السابق والتي ثبت مع الأيام كذبَها وعدم صحتها البتة، ومن بعده الرئيس الديمقراطي الحاقد الذي سلّمَ العراق لبلدٍ جار على طبقٍ من ذهب وفق صفقة مشبوهة. وهذا بشهادة شركاء أمريكا المحتلة أنفسهم، وأخيرًا ما ادلى به الرئيس الأمريكي الواقعيّ والحاكم الجديد للبيت الأبيض دونالد ترامب الذي كشف خبايا وخفايا وأسرار سابقيه من الرؤساء الغزاة مثيري الجدل، رغم اتصاف جميعهم بهذه الصفة البذيئة من دون رحمة ولا ضمير ولا حياء. فقد عمل جميع رؤساء أمريكا دون استثناء على طمس حضارة العراق ودوس كرامة شعبه بشتى الوسائل والطرق وصولاً لحدّ إهانته وإعادة مدنيته وروحيته المتوازنة إلى قرون الثقافات الوسطى في التخلّف والجهل، وكسر هالته العلمية والثقافية والتربوية والاجتماعية لغاية ترييف المدن وتفقير الأرياف لحدّ العوز والاستجداء.

في الحقيقة، لقد ساهم في ارتفاع هذه الأسباب غير المبررة بعضُ الدوائر الدينية والمراجع المشكوك في أصالتها الوطنية بسبب تحكّم إرادة بعض المحسوبين على هذه الأخيرة بعقول البسطاء وزرع أدوات الخوف في أوساطهم والتهديد بالثبور يوم الدين من مغبة عدم طاعة أولياء الأمر ودعم المذهب، ما اسهمَ كثيرًا في ارتفاع صوت المغالاة في تقديس الأشخاص وعبادة الرموز ورفع بعضها لحدّ القداسة وفوق مقامات الله الخالق. ومازال الشارع العراقي يعاني من زيادة وارتفاع هذه الممارسات، ولاسيّما في المناسبات الشعائرية الموسمية والسنوية التي أعادت إلى الأذهان صورة المنطقة القبلية قبل أكثر من 14 قرنًا خلت باحتضان شوارع «عاصمة الرشيد ومدينة السلام ومنارة المجد والخلود ودار الشعراء وذهبِ الزمان والضوع العطر» مداسات وسنابك وحوافر مختلف أنواع الحيوانات بدل رجال الثقافة والعلم والمجتمع.  وفي هذا بخسٌ كبير بحقها وحقّ أهلها الأصلاء ولاسيّما شعوبها الأصيلة المتجذّرة غُيّبوا عن المشهد منذ عقود ولم يعودوا يجدون في وطنهم استقرارًا وأمانًا وسلامًا بسبب تسلّط الدخلاء والغرباء على المشهد السياسي غير المتوازن بفعل تواطؤ المحتلين والغزاة ودول الغرب غير المتباكي إلاّ على مصالحه الاقتصادية والمالية. ومنها تبجّح زعامات هذا الغرب بالتقرّب من زعامات السلطة وكيل المديح لهم بهدف كسب المزيد من المغانم ونيل العقود الفاسدة التي تدرُّ للطرفين لبنًا وعسلاً. في حين لم تشهد أو تنل المكوّنات المضروبة والهشّة بسبب غدر الزمن وعهر  السياسة الغربية غير المتكافئة سوى عبارات الأسى والأسف على أوضاعها وغيرَ قليلِ البكاء على حالها وعبارات التطمين التخديرية بفتات من «اليوروات والدولارات» تُصرفُ لها عبر مؤتمرات استعراضية أو دورات تدريبية متناقضة الأهداف والرؤى أو تمويل منظمات حكومية ومدنية شبه عائلية ترفع صوتَها إيهامًا بقدرتها على فعل المعجزات وليّ ذراع الحكومات المتعاقبة وزعامات السلطة في دورةٍ لتبادل الأدوار لتبقى الحال كما هي وكما أقرّتها السيادة الغازية العليا بالاتفاق والتوافق مع إدارة الحكومات المتعاقبة وزعامات الأحزاب ومَن يقف خلفها.

وهذا ما دفع بالكثيرين من أبناء هذه المكوّنات المتضررة المستبعدة عن المشهد السياسي لهجر الوطن واللجوء لبلدان أكثر أمانًا تحفظ لهم كرامتَهم وتصون حياتهم وتنعش أحوالَهم ليكونوا مواطنين متساوين مثل أهل الدار في العدل والكرامة والإنسانية والحق في اقتناص فرص الارتقاء بالحياة وفق الجدارة والكفاءة والقدرة التي أنكرتها عليهم الحكومات المحلية المتعاقبة وأحزاب السلطة وزعاماتُها التي اعتادت بل أصرّت على اختزال الوطن بمثلث سياسي محاصصاتي مقيت من العرب السنّة والشيعة والكورد، حسمًا وقَسَمًا وجبرًا غير مخيَّر.

نظامٌ جديد وصراعٌ على الأبواب

تشير بعض التحليلات والتخمينات والمعلومات المتواردة من هنا وهناك إلى تغيير قادمٍ لا محالة في شكل وصورة وجوهر المنظومة السياسية القائمة على المحاصصة والتوافقات التي لم تسفر عن حصول قناعة بشرعيتها، حتى في أوساط أطرافٍ مشاركة فيها سابقًا أو راهنًا. كما ليس من غريب الحال والمآل عودة طرف سياسي معارض كان له باعٌ في السطوة على السلطة بعد عام 2003. إلاّ أنّه اختلف مع أطرافٍ منافسة أخرى ليقرّر الركون جانبًا لحين انقشاع الغيمة وتبيان وجهتها القادمة. وربما قربت هذه الوجهة لتصبح في متناول اليد في قريب الأيام. هذا إذا تسنّت الفرصة وسمحت بها الجهة الغازية السيادية العليا من خارج الأسوار وبالطريقة التي ترسو لها السفينة مع الأخذ بنظر الاعتبار تغييرًا في الوجوه والقيادات لتكون اقربَ منها إلى الجمهور والحكم السيادي الذي يستبعد معظمَ الالتزامات غير الوطنية التي رهنت البلاد والعباد بسلطة خارجية دخيلة شحنت أحقادها التاريخية على أهل العراق وأساءت إلى شعوبه متعددة الأجناس والأديان والثقافات واستغلت الوازع الديني والمذهبي لفرض شكل هذه السطوة القائمة منذ الغزو المستنكَر. ولكون الشريك السابق المتحول إلى طرف معارض شرسٍ للتوافق المحاصصاتي الرافض لأيّ شكلٍ من اشكال الإصلاح الذي طالب به هذا الطرف وأطرافٌ أخرى جلّها تتحلّى بشيءْ واضح من الوطنية الراسخة في الأذهان، فإن الأنظار تتجه نحو نزع الشرعية عن المنظومة الحالية التي استأثرت بالسلطة وراقت لها أروقة الفساد وانفاق النهب واللصوصية في غياهب الليل وطلاسم النهار من دون خوفٍ من أحد ولا من ربّ العالمين، بعد أن نصّبت نفسها حاكمًا باسم الله الخالق على السماء والأرض واتجهت نحو حجز مواقع للأتباع والمريدين للقاء حور العين في السماء السابعة من دون إذنٍ من لدن الله خالق الأجرام كلّها وما فيها وعليها من بشر وحجر وشجر ونور وظلام وهواء وماء.

غيمة ثقيلة

أمّا مَن سيقوم على رأس هذا الإصلاح، فلنا أن ننتظر في قوادم الأيام كيف ستنكشف الصورة وتبدأ الغيمة الثقيلة بالانقشاع عبر الصراع القائم هذه الأيام على مناصب وقوانين جدلية وزعامات مصرّة على إبقاء احتكار السلطة بذات الوجوه التي اعترفت بفشلها على الملأ. ومهما زادت المطالب الداخلية والخارجية بضرورة التغيير في شكل وصورة المشهد السياسي، فذلك منوطٌ بالتأكيد بتفاسير ومعطيات تُسهم إلى حدّ بعيد بوضوح الرؤية الشاملة والقرار القادم بصدد المشهد الجيوسياسي الإقليمي والدولي الماثل هذه الأيام. وهي فرصة للتأكيد في حالة بدء شرارة العاصفة وانتشار رياحها بالتمنّي بعدم تكرار وتدوير ذات الوجوه الفاشلة والفاسدة بمعظمها. فقد تكون عودة بعض أطراف شكل الصراع المرتقب محسوبة هذه المرّة بدقة حساباتها الحقلية لتتوافق مع حسابات البيدر أكثر من سابقاتها. وفيها سيُصارُ إلى تغيير المفاهيم والطروحات والآليات بما فيها محاربة أصناف الفاسدين ومحاسبتهم ومَن يقف معهم ممّن على رأس السلطة من الرافضين لأية بوادر إصلاحية مرتقبة في الفعل والعمل والتطبيق. ولعلَّ ما سيشكّلُ ثقلاً جاهزًا للعمل الوطني أيضًا، ذلك التوجه العام نحو تعزيز دور سور الوطن الحقيقي المتمثل بعودة الجيش الوطني العقائدي في العسكرية الصحيحة وليس في العقيدة المذهبية.

وقد يشكل هذا الأمر نقاطَ اختلاف حادة بين العسكر الوطني وما يوازيه من منظومة منافسة سلطوية دخيلة اتخذت شكلَ كيانٍ مستنسخ إقليميًا لمنافسة الجيش الوطني وهي تأتمر بأوامر من خارج الأسوار. فهذا الشكل الأخير القائم بالدعوة لتعزيزه بقوانين جدلية جديدة أكثر من ذي قبل  ليكون أداة الأمر والنهي بمصير البلاد والعباد بالرغم من الإرادة الوطنية والإقليمية والدولية للحدّ من تجبّره، لا يمكن استمرارُه لكونه أداةَ تمزيق وترهيبٍ وتهديد لأية مساعي لخلق وطن موحد واحد جامع لكلّ الأطياف والمجتمعات العراقية بكافة أديانها وأعراقها ومكوّناتها ضمن خيمة جيش وطنيّ يؤمنُ بعقيدة عسكرية وطنية. فهذا وحدهُ ما سيضمن استقرارًا للبلاد وسلامًا لأهله وشراكةً لأطيافه في العدل والمساواة ونكران الذات محبةً في الوطن والشعب وإعلاءً لحضارة البلاد من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه.

إلى ذلك اليوم، وعساه قريبًا، تتطلع العيون وترنو العقول يوم تتشكل منظومة جديدة بنظام سياسيّ  رئاسي بعد التمنّي بمغادرة التجربة البرلمانية ومثيلتها في مجالس المحافظات الفاشلة التي فسدت وأفسدت وتطاولت على النهج الوطني لتكون بديلاً فاسدًا في الحكم منذ 2003. ولكي يكون العراق فعلاً جزءً من منظومة الخارطة الجديدة للمنطقة برقيّ شعبه وتطلعات أهله، لا بدّ في المحصلة من مغادرة المصالح الشخصية والفئوية والنهج الطائفي الذي أسسّت له المنظومة الشيعية حصرًا بعكس أماني وتطلعات غالبية الشعب. واليوم ليس للمنظومة القائمة سوى الإيمان بما هو قادم والتحوّط للأسوأ بسبب اشتداد عاصفة الرفض الشعبي قبل أن يهتزّ الجميع، فيكون الفأس حينئذٍ قد وقعَ في الرأس!


مشاهدات 107
الكاتب لويس إقليمس
أضيف 2025/03/01 - 5:05 AM
آخر تحديث 2025/03/04 - 10:00 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 92 الشهر 2222 الكلي 10463171
الوقت الآن
الأربعاء 2025/3/5 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير