لا خيرَ في عِلْمٍ بِلا أَخلاق
نهله الدراجي
في ظل هذا الانفتاح على المعرفة، تتزايد قيمة الشهادات العلمية، ويُعتبر التعلّم أحد أبرز معايير النجاح. ولكن، هل يكفي أن نكون حاملي شهادات علمية لنكون محترمين وذوي قيمة في المجتمع؟ أم أن هناك بُعدًا آخر يتجاوز الأوراق والدرجات الأكاديمية؟ إن العلم بلا أخلاق كالسفينة بلا دفة، تُبحر في بحر من الجهل والضياع ..!
بين أروقة الجامعات والمنابر العلمية، تتكدس الشهادات وتُمنح الألقاب وتتزاحم على صدور حامليها، لكن هل تعكس هذه الأوراق جوهر الإنسان؟ وهل تكفي الألقاب العلمية التي تسبق الأسماء لصنع قيمة حقيقية في المجتمع؟ إن العلم، مهما بلغ من علو، إن لم يكن مقرونًا بالأخلاق والمروءة والعدل، يصبح مجرد أداة بلا روح، ووسيلة بلا غاية سامية.
اليوم، نجد المفارقة المؤلمة -لدى البعض من حاملي الشهادات، شهادات ترتقي إلى عنان السماء، وأخلاق تهبط إلى أسفل السافلين. كأننا أمام معادلة عكسية: كلما ارتفعت الدرجة العلمية، انخفض المستوى الأخلاقي!
العلم ليس مجرد محاضرات تُلقى، ولا أبحاث تُكتب، ولا شهادات تُعلق على الجدران، بل هو أمانة ومسؤولية، ورسالة تهدف إلى تهذيب النفس قبل أن تُهذب العقول. فالعلم الذي لا يسمو بصاحبه أخلاقًا، ولا يجعله أكثر عدلًا وإنصافًا، هو علم بلا بركة، ومعرفة بلا أثر إيجابي.
يحدثنا التأريخ عن أجدادنا الذين لم يحملوا "الدال" قبل أسمائهم، ولم يضعوا "البروفيسور" قبل توقيعاتهم، لكنهم حملوا في قلوبهم ما هو أثمن - حملوا الحكمة والعدل والمروءة. كانوا يجهلون القراءة والكتابة أحياناً، لكنهم كانوا يتقنون قراءة الضمير وكتابة المواقف النبيلة.
أين نحن اليوم من تلك القيم؟ وكيف تحول العلم عند البعض من وسيلة لتهذيب النفس وترقية المجتمع، إلى أداة للتباهي والتفاخر؟ كيف أصبحت الشهادة العلمية في بعض الأحيان ستاراً يخفي خلفه فساد الأخلاق وانحطاط القيم؟
العلم الحقيقي هو ما يرتقي بصاحبه أخلاقياً قبل أن يرتقي به معرفياً. هو ما يجعل من حامله نوراً يضيء دروب الآخرين، لا ظلاماً يحجب عنهم نور الحقيقة. العلم الحقيقي هو ما يجعل صاحبه أكثر تواضعاً، لا أكثر تكبراً، وأكثر رحمة، لا أكثر قسوة.
لا شك أن هناك من الأكاديميين والعلماء وحاملي الشهادات من جمعوا بين شرف العلم وشرف الخُلق، وهؤلاء هم مصابيح الأمل في المجتمع أحدثوا تغييرًا حقيقيًا في الواقع، هم من يذكروننا أن الشهادة الحقيقية ليست تلك المعلقة على الجدران، بل تلك المحفورة في القلوب والضمائر.
إن العلم الذي لا يهذب النفس، ولا يرتقي بصاحبه أخلاقًا، علم مردود على صاحبه، لا بركة فيه ولا نفع منه. فالمجتمع بحاجة إلى علماء يحملون لواء العدل والحق، لا إلى حملة شهادات بلا ضمير. فالتقدم الحقيقي لا يُقاس بعدد الشهادات، بل بعدد الأفراد الذين يجمعون بين العلم والحكمة، وبين المعرفة والأخلاق.
وبين هؤلاء، يتجدد الأمل، وتنهض الأمم، وتبقى الحياة أكثر عدلًا وجمالًا.