تشريع صارم لوقف نزيف الطرقات
عبدالمهدي الشيخ صالح
في ظل تصاعد أعداد الضحايا الذين تسلبهم سرعةُ السيارات أنفاسهم على الطرقات، باتت الحوادث المرورية في العراق «وباءً مزمناً» يتطلب علاجاً جذرياً، حتى لو كان مُراً. فالإحصاءات الصادمة تكشف أن آلاف الأرواح تُزهق سنوياً بسبب التهور وراء المقود، ما يُلقي الضوء على ضرورة تشريع قوانين رادعة تُعيد حسابَات من يستسهلون لعبةَ الموت على الطرق السريعة.
إحصاءات مفزعة.. دماء على الأسفلت
تشير بيانات وزارة الصحة العراقية ومنظمة الصحة العالمية إلى أن العراق يسجل ما يزيد عن 4500 حالة وفاة سنوياً* بسبب الحوادث المرورية، بالإضافة إلى عشرات الآلاف من الجرحى والمعاقين، مما يجعله من بين الدول الأعلى في نسب الوفيات المرورية عالمياً. ولا تُختزل الأزمة في الخسائر البشرية فحسب، بل تمتد إلى تكاليف اقتصادية طائلة تُقدّر بمليارات الدنانير، نتيجة تدهور البنية التحتية وانهك القطاع الصحي.
العقوبة الصارمة.. لماذا الحجز والغرامة؟
في خطوة جريئة لمواجهة هذا النزيف، يقترح خبراء السلامة المرورية تشريع قانون يفرض *حجز المركبة لمدة ثلاثة أشهر* و*غرامة مالية بقيمة ثلاثة ملايين دينار* على مخالفي السرعة على الطرق السريعة الدولية. وتكمن قوة هذا الإجراء في كونه «ضربة مزدوجة»: فبينما تؤثر الغرامة الكبيرة في الجيب، يُذكّر الحجز الطويل بخطورة الاستهتار، خاصةً في مجتمع تُعدّ السيارة فيه عصبَ الحياة اليومية للكثيرين.
هل تكون العقوبة رادعة؟
تجارب دولية مثل الإمارات والسعودية أثبتت أن تشديد العقوبات خفض معدلات الحوادث بنسبة وصلت إلى 40 بالمئة خلال سنوات. فالعقاب ليس هدفاً بحد ذاته، بل إنذاراً يدفع السائق إلى مراجعة سلوكه قبل فوات الأوان. كما أن تفعيل هذه القوانين عبر أنظمة مراقبة ذكية (كالكاميرات الرقمية) سيضمن عدالةَ التطبيق ويحدّ من الفساد الإداري، الذي يُعدّ أحد معوقات تطبيق التشريعات الحالية.
الدواء المر.. ضرورة لا ترف
قد يرى البعض في العقوبة المزدوجة قسوةً، لكنّ الوقائع تُجيب: «ماذا يُغنّي التساهلُ وقد فشلتْ الحملات التوعوية وحدها؟». إن القبول بـ»مرارة» العقوبة هو ثمنٌ لإيقاف استنزاف الأرواح، تماماً كالدواء الذي يُعالج الداء رغم مذاقه. فالحياة أغلى من أن تُرهن بتهوُّر سائقٍ يعتقد أن الطريق السريع حلبة سباق!
الخلاصة: نحو ثقافة مرورية جديدة
التشريع الجديد ليس مجرد عقوبة، بل خطوة لبناء وعي جمعي يربط بين القيادة الآمنة ومسؤولية الحــــــــفاظ على المجتمع.
فبينما تُلزم الدولة بتوفير طرق آمنة ومراقبة فعالة، يقع على المواطن واجب احترام القانون. فقط عندما تتعاضد الإرادة السياسية والاجتماعية، يمكن تحويل الطرقات من مقابر مفتوحة إلى شرايين حياة تُنبض بالأمان.