الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
موت بعد منتصف الليل

بواسطة azzaman

موت بعد منتصف الليل

علي السوداني

 

لا جدوى أيها الدرويش الدائخ من رشّ حروفك مثل حنطة فوق سطحٍ بعيد . الطيور كشفت

الفخ وقلبك ما عادَ يحتمل منظر قفص مزروع في الذاكرة . رأيتك عصراً ترتقي كما كائنٍ خرافيّ ، تلطعُ ظَهر الشمس ، وتشعل المدينة زقزقة عصافير مدوزنة على سلّم البهجات والأوجاع والأشجان مع نشازات منفلتة من علة شيخوخة الذاكرة .

اكتشفت أنني صالحٌ جداً لأن أكون أميناً عاماً  ومخلّصاً للأمم الأرضية المتحدة ، حيث أيامي تنام على جبل قلقٍ عظيم .

هي وظيفة جدُّ سهلة ومعاش أخير شهرها كثير وكامل الدسم . أجلس فوق كرسي هزاز

مريح أمام شاشة ضخمة ، وأرى الى الناس كيف تموت فأقلق فتنشر قلقي وسائط الدعاية وحوائط التناطح الاجتماعي الوفير .

كثيرات هنَّ عواءات الليلة ، لكنِّ أجملهن كان عواء كلب الزقاق المبحوح .

سأحذف الآن فقرة الكلب وأصل سرد الطقطوقة الممكنة .

تزعجني كثيراً وحدة الموضوع التي يراها النقدة التعساء ، لذلك سأتفكك وأنثال وأتدرّع

بنفحات تيار اللا وعي وأكتب لكم عن نبتة اسمها عصا موسى . انها زرعة جميلة تتلولب على

عدة عقد وتزرع في الماء فقط . يسمونها خيزران الحظ ، ويعتقد الفقراء اليائسون بخيراتها

وبركاتها على العائلة . عندما تطحنك الأيام فعليك أن تؤمن بجالبة الرزق هذه رجاءً .

قبل ثلاثة أيام فوجئت بساقها الطويل وقد صار نصفه أصفر ، وتلك علامة حاسمة من علامات

موت النبتة الطيبة . حدث هذا الأمر مع أختها التي ماتت قبل سنة . في محاولة يائسة قمت

بتبديل الماء المشتولة فيه ، ثم نقلتها الى الحمام ووضعتها تحت الحنفية ونظفتُ شعيرات

جذرها المنهك ، فرأيت في ما رأيت جثة آدمي مركونة فوق دكة المغسل الباردة .

الليلة هي مصلوبة أمامي وقد صعد الصفار فوصل حدّ عنقها الملتوي ، كما لو أنه سرطان

يتلذذ بتعذيب فريسته . نصحتني أم محمد بأن أضع ملعقة سكّر فوق ماء النبتة كي تستعيد

بعض عافيتها ففعلت ذلك ممتناً .

هنا بودّي أن أخبركم بأنكم لن تحتاجوا الى معرفة من هي أم محمد ، لأن الأمر سوف لا يغير من شكل الفجيعة ولا من اتجاه بوصلة القصة المهلهلة حتى الآن .

مع كلّ سطر أكتبه الليلة ، أرى اللون الأصفر القاسي يرتفع نحو الأعلى ، وأكاد معه أنصت

الى بكاء العصا وهي تختنق .

اقتربتُ من رأسها ومسحتُ آخر وريقاتها الخضر ، تماماً مثل واحد يمسح زوايا فم عليل وهو

يغصّ بجرعة الماء الأخيرة . أشعر الآن بندم كثير يأكل ليلتي لأنني آمنت بكلام جارتي مريم إذ قالت إنّ هذه الزرعة المبروكة ستكون صمام أمان يقي خبزك من شرّ الأيام الكالحات .

طبعاً مريم ليست هي أم محمد ، وسوف أغضب إن سألني سائلٌ منكم أو سائلة عن شخصية مريم التي أنتجت لي كلّ هذا الكدر العظيم.


مشاهدات 224
الكاتب علي السوداني
أضيف 2025/02/25 - 5:01 PM
آخر تحديث 2025/03/23 - 5:10 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 380 الشهر 13274 الكلي 10574223
الوقت الآن
الأحد 2025/3/23 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير