موت بعد منتصف الليل
علي السوداني
لا جدوى أيها الدرويش الدائخ من رشّ حروفك مثل حنطة فوق سطحٍ بعيد . الطيور كشفت
الفخ وقلبك ما عادَ يحتمل منظر قفص مزروع في الذاكرة . رأيتك عصراً ترتقي كما كائنٍ خرافيّ ، تلطعُ ظَهر الشمس ، وتشعل المدينة زقزقة عصافير مدوزنة على سلّم البهجات والأوجاع والأشجان مع نشازات منفلتة من علة شيخوخة الذاكرة .
اكتشفت أنني صالحٌ جداً لأن أكون أميناً عاماً ومخلّصاً للأمم الأرضية المتحدة ، حيث أيامي تنام على جبل قلقٍ عظيم .
هي وظيفة جدُّ سهلة ومعاش أخير شهرها كثير وكامل الدسم . أجلس فوق كرسي هزاز
مريح أمام شاشة ضخمة ، وأرى الى الناس كيف تموت فأقلق فتنشر قلقي وسائط الدعاية وحوائط التناطح الاجتماعي الوفير .
كثيرات هنَّ عواءات الليلة ، لكنِّ أجملهن كان عواء كلب الزقاق المبحوح .
سأحذف الآن فقرة الكلب وأصل سرد الطقطوقة الممكنة .
تزعجني كثيراً وحدة الموضوع التي يراها النقدة التعساء ، لذلك سأتفكك وأنثال وأتدرّع
بنفحات تيار اللا وعي وأكتب لكم عن نبتة اسمها عصا موسى . انها زرعة جميلة تتلولب على
عدة عقد وتزرع في الماء فقط . يسمونها خيزران الحظ ، ويعتقد الفقراء اليائسون بخيراتها
وبركاتها على العائلة . عندما تطحنك الأيام فعليك أن تؤمن بجالبة الرزق هذه رجاءً .
قبل ثلاثة أيام فوجئت بساقها الطويل وقد صار نصفه أصفر ، وتلك علامة حاسمة من علامات
موت النبتة الطيبة . حدث هذا الأمر مع أختها التي ماتت قبل سنة . في محاولة يائسة قمت
بتبديل الماء المشتولة فيه ، ثم نقلتها الى الحمام ووضعتها تحت الحنفية ونظفتُ شعيرات
جذرها المنهك ، فرأيت في ما رأيت جثة آدمي مركونة فوق دكة المغسل الباردة .
الليلة هي مصلوبة أمامي وقد صعد الصفار فوصل حدّ عنقها الملتوي ، كما لو أنه سرطان
يتلذذ بتعذيب فريسته . نصحتني أم محمد بأن أضع ملعقة سكّر فوق ماء النبتة كي تستعيد
بعض عافيتها ففعلت ذلك ممتناً .
هنا بودّي أن أخبركم بأنكم لن تحتاجوا الى معرفة من هي أم محمد ، لأن الأمر سوف لا يغير من شكل الفجيعة ولا من اتجاه بوصلة القصة المهلهلة حتى الآن .
مع كلّ سطر أكتبه الليلة ، أرى اللون الأصفر القاسي يرتفع نحو الأعلى ، وأكاد معه أنصت
الى بكاء العصا وهي تختنق .
اقتربتُ من رأسها ومسحتُ آخر وريقاتها الخضر ، تماماً مثل واحد يمسح زوايا فم عليل وهو
يغصّ بجرعة الماء الأخيرة . أشعر الآن بندم كثير يأكل ليلتي لأنني آمنت بكلام جارتي مريم إذ قالت إنّ هذه الزرعة المبروكة ستكون صمام أمان يقي خبزك من شرّ الأيام الكالحات .
طبعاً مريم ليست هي أم محمد ، وسوف أغضب إن سألني سائلٌ منكم أو سائلة عن شخصية مريم التي أنتجت لي كلّ هذا الكدر العظيم.