قراءة في قانون تعديل قانون الأحوال الشخصية رقم 1 لسنة 2025
حق الاختيار في تنفيذ الوصية وتوزيع الميراث
سالم روضان الموسوي
سأعرض الحلقة الثانية من سلسلة القراءة في قانون تعديل قانون الأحوال الشخصية، حيث استعرضت في الحلقة الأولى عدم سريان نطاق قانون التعديل على القاصرين عند الزواج، لانهم لا يملكون حق الاختيار وعلى وفق ما ورد في تلك القراءة،
وفي هذه القراءة وهي الثانية سوف اناقش ما ورد في الفقرة (ح) من قانون التعديل التي جاء فيها (إذا اختلفت الأطراف ذات العلاقة بقضية واحدة في اختيارهم تطبيق أحكام المذهب الشيعي الجعفري أو القانون رقم (۱۸۸) لسنة ١٩٥٩ في أحوالهم الشخصية، تعتمد المحاكم في قضايا إيقاع الطلاق وتنفيذ الوصية وتقسيم الميراث اختيار المطلق والموصي والمورث، وفي غيرها ما يختاره أغلب الأطراف بشرط كونهم كاملي الأهلية شرعاً وقانوناً، ومع عدم تحقق الأغلبية، تختار المحكمة ما هو الأقرب إلى مبادئ العدل والإنصاف)، وعلى وفق الاتي:
اما اذا اختاروا المدونة عند ابرام عقد الزواج فان اختيارهم هو النافذ، مما يعني ان الاختلاف مستبعد، لان الامر حسمه القانون ذاته في نص الفقرات الأولى والثانية من التعديل؟ فهل يجوز للطرفين الذين اختاروا المدونة ان يختلفوا في القانون الواجب التطبيق عليهم، اذاً ما داعي الاختيار اذا كان لاحدهم ان ينازع في تطبيق المدونة؟
فاذا العقد كتب فيه اجل المهر المؤجل يستحق عند اقرب الاجلين فان الطلاق يكون على وفق احكام المذهب الحنفي ، وان كان عند المطالبة والميسرة فان الطلاق يتم على وفق احكام المذهب الجعفري، لوجود اختلاف في وجود شروط الصحة لكل مذهب،
فكيف يمنح حق النكول عن التزامه بالاختيار، وان يعدل عنه لاحقاً اذا ما أراد إيقاع الطلاق، لان النص يقول اذا اختلف اطراف العلاقة، فكيف يختلف الأطراف في تطبيق ما اختاروه ابتداءً ليحكم العلاقة بينهم، والقانون رجح اختيار المطلق وهو الزوج في الغالب، لان قليلاً ما نجد ان العصمة (حق إيقاع الطلاق) بيد الزوجة، فكيف يمنح حق النكول عن اختياره، بين تطبيق القانون واحكام المدونة؟
وهذا محل استغراب فكيف نعرف خيار الموصي عند التنفيذ والوصية لا تنفذ الا بعد وفاته، وهو ما يتفق عليه اهل الشريعة والقانون جميعاً، بان الوصية هي تصرف مضاف الى ما بعد الموت؟ بمعنى ان الموصي انتهت شخصيته القانونية والحقيقية في لحظة الوفاة، فكيف يتم التعرف على اختياره لتطبيق القانون او المدونة عند التنفيذ، وهو ميت؟
الا اذا كان القصد ان يختار الموصي القانون الواجب التطبيق لتنفيذ الوصية في لحظة كتابته الوصية، وهذا الفرض لا يتفق مع النص الوارد في الفقرة من قانون التعديل (محل البحث) لإنها اقرنت الاختيار عند الاختلاف في مرحلة التنفيذ وعلى وفق النص الاتي ( تعتمد المحاكم في قضايا إيقاع الطلاق وتنفيذ الوصية وتقسيم الميراث اختيار المطلق والموصي والمورث)
ومن الجدير بالذكر لا يوجد أي اختلاف بين القانون وفقه الشريعة في ما يتعلق بالوصية التي يوصي بها الانسان في حال حياته، كذلك لا يوجد اختلاف بين المذاهب على احكامها، ويكاد يجمع فقه المذاهب على قول واحد، بانها لا تزيد على ثلث التركة، ولا يوجد أي مانع يحول دون إرادة الموصي بتوجيه وصيته لاي كان، فجميع المذاهب متفقة على تلك الاحكام.
لكن قد كان في ذهن المشرع ان يعطل احكام الوصية الواجبة الواردة في المادة (74) من قانون الأحوال الشخصية النافذ التي جاء فيها (١ – اذا مات الولد، ذكرا كان ام انثى، قبل وفاة ابيه اوامه، فانه يعتبر بحكم الحي عند وفاة اي منهما، وينتقل استحقاقه من الارث الى اولاده ذكورا كانوا ام اناثا، حسب الاحكام الشرعية، باعتباره وصية واجبة، على ان لا تتجاوز ثلث التركة.٢ – تقدم الوصية الواجبة، بموجب الفقرة ١ من هذه المادة، على غيرها من الوصايا الاخرى، في الاستيفاء من ثلث التركة.)
أرى بان المشرع لم يوفق في صياغة النص على وفق مشيئته، لان تلك الوصية لم تكن بارادة وقول الموصي، وانما بحكم الافتراض القانوني الملزم، وبذلك لا يملك الموصي حق الاختيار، وتبقى سارية عند توزيع الإرث، ولا يمكن الاحتجاج بان إرادة المشرع او كاتب النص كانت تتجه الى الغاء اثار تلك المادة، فان هذا الاحتجاج واهن ولا قيوى امام المنطق القانوني، لان القضاء يتعامل مع إرادة النص وليس مع إرادة المشرع، حيث ان إرادة المشرع تنتهي عند صدور القانون، ويبقى حكم القانون هو النافذ ويخضع لقراءة وتفسير القضاء عند التطبيق،
لكن قد ينصرف الذهن الى ان للشخص ان يقسم ارثه وهو على قيد الحياة فهذا الامر مستبعد، لان هذا التصرف لن يكون في باب توزيع التركة، وانما في باب تصرف الشخص الحي بأمواله يوزعها الى من يشاء، اما اذا اقرن هذا التصرف بان توزع بعد الوفاة، فإنها وصية وليس ارث وتخضع لأحكام ومحددات الوصية؟
لذلك أرى بان النص غير قابل للتطبيق، وما عليه العمل الان، في المحاكم عند اصدار القسام الشرعي في توزيع الإرث، فانها تعتمد على مذهب المورث سواء كانت الزوجة او الزوج او أي كان، وتستدل على ذلك من خلال الاطلاع على ما مثبت في اجل استحقاق المهر المؤجل فاذا كان (عند اقرب الاجلين) فان توزيع الإرث والتركة يكون على وفق احكام المذهب الحنفي في حال عدم وجود نص في القانون،
اما اذا كان عند المطالبة والميسرة فان الإرث او التركة توزع على وفق احكام المذهب الجعفري في حال عدم وجود نص في القانون، لان اللجوء الى احكام الفقه يكون في حال عدم وجود نص في القانون وعلى وفق احكام المادة (الاولى/2) من قانون الأحوال الشخصية النافذ رقم 188 لسنة 1959 المعدل والتي لم يطالها التعديل وجاء فيها (اذا لم يوجد نص تشريعي يمكن تطبيقه فيحكم بمقتضى مبادئ الشريعة الاسلامية الاكثر ملائمة لنصوص هذا القانون)
وفي الختام ستكون لنا قراءات أخرى في نص قانون التعديل بمقدار ما نرى وجوب التصدي والتوضيح وسيتم نشرها لاحقاً
قاضٍ متقاعد