الذكريات الحاضرة أبداً
هدير الجبوري
أرتحلت ذاكرتي الى الماضي باعوامه البعيدة مع اول اكتشاف برئ ومبكر لمعاني اغاني هذه الرائعة في طفولتي وبعدها في بداية صباي عندما بدأ خيالي يتفتح ويسرح مع ماتقوله من كلمات وهي تشدو باغانيها وكان البعض من هذه الكلمات لااعرف تفسيرا واضحا له لاني كنت اصغر من ان استوعبها لكنها كانت تشدني ولااعلم مالسبب ..وفي أحد المرات سألت خالتي عن مطلع اغنية انا وانت ظلمنا الحب وعن ماهو اسم الاغنية فأبتسمت من براءة سؤالي وقالت لي ان اسم الاغنية هو نفس بداية المطلع الذي سالته عنها ومن يومها شعرت اني لابد ان اعرف واكتشف بنفسي دون الاستعانة بسؤال أحد وان اصغي واحفظ ماتقوله السيدة ام كلثوم في اغانيها لأعود بعدها واردده في داخلي وادندن بعض اغانيها بصوتي ..كان سحرأغانيها وسحر تلك السنوات قد غلب على ربيع الصبا الذي اعيشه وشعرت انني اكبر من مراهقتي
وبانني معها قد نضجت فجأة واصبحت اكبر من عمر فتاة مازالت في الثالثة عشر من العمرأو اكثر قليلا واصبحت تجد في نفسها الكثير من الزهو والاعتداد مما يجعلها تشعر بالفرق بينها وبين مثيلاتها من الفتيات الصغيرات من ذات العمر...
وتطورت المشاعر البريئة مع سنوات الشباب الاولى وظل عالمي محصورا باغاني السيدة ولايستهويني غيرها من اغاني الثمانينات وبعض الاغاني الشبابية آنذاك والتي كانت تستهوي غيري كثيرا حيث كانوا يرونني عجوزا في ميولي وانتقاء الاغاني التي أحبها وشعرت مع ذلك أنني فخورة كوني كبيرة وناضجة رغما عني وعن عمري الصغير ويتوجب علي ان اكون بقدر ثقل هذا الاحساس وكنت اتلهف لاقتناء اي كتاب فيه شيئا عنها وعن حياتها واغانيها وجعلني ذلك ادرس بحرص واتابع كل مايتعلق بها وكأن ذلك عبارة عن مادة مدرسية ولابد لي ان احفظها وفعلا حفظت عن ظهر قلب أسماء كل الشعراء الذين تعاملت معهم السيدة ام كلثوم وكذلك ملحني اغانيها وكنت اعرف ذلك بمجرد ان تبدأ بغناء اي اغنية لها واشعر بالفخر لاني افضل من غيري عندما اسارع بذكر الكاتب والملحن وكأنني اصبحت موسوعة تضم كل شئ عنها..
وكنت استعجل الخروج من العمل وتأخذني خطواتي الى محل لبيع الكاسيتات في بداية منطقة الاعظمية واول دخولي للمحل اقوم بابراز ورقة ملاحظات كنت قد كتبت فيها مااريد تسجيله من اشرطة الكاسيت لمجموعة من اغانيها وهكذا كل مرة الى ان اصبح عدد اشرطة الكاسيت لدي كبير جدا ويضم معظم اغانيها ومازلت لليوم احتفظ بهذه الاشرطة وكأنها كنز ثمين اخاف ان يسلبه مني احد..
خمسون عاما مرت على ذكرى وفاتها ..ومرت عقود على اول معرفتي بها لكنها باقية في خاطري فكل اغنية من اغانيها رافقت قصة من قصص حياتي وليس بوسع اي منا ان ينسى ويرتحل عن قصصه وذكرياته...