الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
السلطة الغائبة والنار الحاضرة

بواسطة azzaman

السلطة الغائبة والنار الحاضرة

محمد رسن

 

تصور أماً تحتضن طفلها في لحظة الرماد، وقد أحاطت بها ألسنة اللهب، فكانت آخر ما فعلته في الدنيا أن جعلت جسدها درعاً له، تفحمت هي وبقي هو شاهداً على خذلان دولة، وعلى طهر أمومةٍ لا تحترق، يا لهذا البلد الذي تبنى فيه العمارات كما تبنى الأكاذيب، ستة طوابق شيدت في غفلةٍ من البلدية، والمحافظة، والسلطة لا ترى إلا ما يُدر عليها من اموالاً، ولا تسمع إلا نداءات الفاسدين، ثم يخرج علينا المسؤولون بوجوه بدون حياء ، يذرون على أعيننا كلمات لا تطفئ ناراً ولا تعيد حياة، وكل بيان رسمي بعد كل فاجعة لا يزيد عن كونه طعنة ثانية في قلب الضحية فالعذر كما يقول الموجوعون، أقبح من الجريمة يا سيادة رئيس الوزراء، قبل عامين قلتها بصراحتك، (المواطن لا يثق بأي حديث عن محاربة الفساد) فلماذا تُرهق الحكومة ببيانات المحاسبة، وتُتعب الورق بقرارات بلا جدوى، تُقرأ ولا تُنفذ، وتُعلن ولا تُصدق؟ ما حدث لم يكن حريقاً كان مشهداً من مسرحية سوداء عنوانها “السلطة الغائبة”، وأبطالها جثث محترقة، وضحايا تُكتب أسماؤهم في قوائم الموت الجماعي، لا لأنهم خالفوا قانوناً، بل لأن القانون غاب عن أماكن البناء، وتغاضى عن الفساد، وتواطأ بالصمت، ما حدث فضيحةٌ لا تُطفئها المياه، ولا تُرممها التعازي الرسمية.

ما حدث لم يكن حريقاً، بل لحظة انكشفت فيها كل الأقنعة، واحترقت فيها البلاد، في ستة طوابق كان الموت يصعد بهدوء، يتنقّل من غرفةٍ إلى أخرى، يقرع الأبواب بلا استئذان، لا ليأخذ الأرواح فقط، بل ليأخذ معها ما تبقى من ثقة بهذا الوطن، بهذا النظام، بهذا الخراب المتماسك على هيئة سلطة، الطفلة التي اختبأت خلف أمها لم تكن تحتمي من النار، بل من خذلان العالم، من جدران شُيدت بالغش، من شبابيك لا تفتح للنجاة، ومن أبواب وضعت لتغلق لا لتفتح في الكوارث، الأم التي ارتمت فوق رضيعها لم تكن تقاوم الاحتراق، بل كانت تضعه في تابوتٍ آمن من جمر هذه البلاد، تهبه موتاً أخف من حياة تشبه الجحيم، اكتفت السلطة ببيانات باهتة تطالب باجراء تحقيقات عاجلة! أي تحقيق هذا الذي سيعيد للأم جلدها المحترق؟ أي لجنة ستنتشل صرخة طفل احترق في حنجرة أبيه قبل أن تبلغه النار؟أي مسؤول سيجرؤ على النظر في عيون الناجين،

لقد ماتوا مختنقين، محترقين، مطمورين بالنار، لكن الحقيقة أن ما قتلهم هو الغياب. غياب القانون، وغياب الضمير، وغياب السلطة.

 

 


مشاهدات 180
الكاتب محمد رسن
أضيف 2025/07/21 - 3:51 PM
آخر تحديث 2025/07/27 - 12:49 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 102 الشهر 17744 الكلي 11171356
الوقت الآن
الأحد 2025/7/27 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير