قراءة نقدية أسلوبية
بين سماء الأم وثلج الهوية: تناثر الذكريات في فصول البياض للشاعرة كزال ابراهيم خدر
كريم عبدالله
قصيدة /هل تكون السماء أماً/ للشاعرة كزال إبراهيم خدر هي نص شعري يمزج بين الرمزية والتأمل الفلسفي في فكرة الأمومة والهوية. باستخدام الثلج كعنصر مركزي في القصيدة، تُثير الشاعرة أسئلة عميقة حول علاقة الذات بالطبيعة، الهوية الثقافية، وتأثيرات البيئة على الفرد. ترجمة الشاعرة نسرين محمد غلام تضيف طبقة إضافية من الجمال والوضوح للنص، مما يعزز الفكرة القائلة بأن الشعر يمكن أن يتجاوز الحدود اللغوية والثقافية ليحمل معاني عالمية.
1. اللغة والأسلوب:
القصيدة تميزت بلغة شاعرية سلسة تحمل في طياتها معاني غنية. الأسلوب السردي في بداية النص يظهر التأمل والبحث الفلسفي حول مفهوم /السماء كأم/. الجمل الهادئة المتكررة مثل /ندفة، ندفة/ تشي بالبطء والزمن المتقطع الذي يعكس تأمل الشاعرة في ظاهرة الثلج. إن تكرار المفردات في المقاطع الأولى يساهم في خلق حالة من الانسيابية والنعومة، كما لو أن القارئ يتنفس مع تساقط الثلج ذاته.
في السطر /هل يمكن أن تكون السماء أُم؟/، يُطرح السؤال الوجودي الذي يحفز القارئ على التفكير في العلاقة بين الكون والمشاعر الإنسانية. الشاعرة تستخدم هنا أسلوب الاستفهام ليعكس حالة من البحث، ويتضح أن السماء تتخذ دور /الأم/ التي تمنح العطاء، كما يظهر في صورها: /تنزل من ثديها الحليب/. هذا التوظيف الاستعاري يعزز من الفكرة التي تربط السماء بالأمومة، حيث يتداخل المعنوي مع المادي.
2. الرمزية والصور الشعرية:
تحتل الرمزية مكانة بارزة في القصيدة، ويعد الثلج أبرز رمز ضمن النص. الثلج هنا ليس مجرد عنصر طبيعي، بل يُقدَّم كرمز للتطهير والنقاء، وأحيانًا كوسيلة للتعبير عن الهوية الوطنية. في المقاطع الثانية والثالثة، نرى كيف يرتبط الثلج بالهوية الثقافية: /أريدُ أن أظهر بلونٍ أبيضَ طول فصول أُلسنة كي أمثل اللون الأبيض لجميع عرسان وطني/. بهذا الشكل، يصبح الثلج رمزًا للصفاء والطهارة في الثقافة التي تنبع من علاقات الوطن والناس. كما أن الشاعرة تصيغ الثلج ليظهر على أنه جزء من بناء الهوية الوطنية، حيث يسعى الثلج ليحمل معه لونًا موحدًا يمكنه أن يعبر عن وحدة شعب بأكمله.
أما في المقاطع اللاحقة، نجد الرمزية تتطور لتتناول العواطف الشخصية والشعور بالانتماء: /تفرح الأشجار كثيراً مع كل ندفة ثلج تهطل من السماء/. الشجرة هنا تمثل الحياة والنمو، في حين أن الثلج هو قمة الطهر والجمال الذي يتسلل بين ثنايا الطبيعة.
3. التناص والمراجع الثقافية:
القصيدة تتخللها إشارات إلى الثقافة الشعبية، كما في ذكر /بابا نوئيل/ الذي يُعتبر رمزًا للفرح والتجدد، وفي قوله /إن الثوب الأحمر يتناسق مع لون الثلج لأنه يشبه لون خديك/. هذه الإشارة تؤكد على تداخل الخيال الشعبي مع الواقع، وتخلق علاقة متشابكة بين المظاهر الثقافية والتجارب الشخصية. كما أن استخدام جبل (أزمر) المتزين بلونه الأبيض يربط القصيدة بالجغرافيا المحلية، معززًا من الإحساس بالمكان والانتماء.
4. الهوية والبحث عن الذات:
في المقطع الأخير، نجد الشاعرة تتساءل عن هويتها في العالم: /هل أنت بيضاء من الطبيعة؟ أم أنا أتصورك لعبة الثلج؟/. هذا التساؤل يعكس الصراع الداخلي للشاعرة بين الواقع والتصورات الذاتية، وبين ما هو طبيعي وما هو مُختلق. في هذا السياق، يتضح أن القصيدة ليست مجرد تأمل في الثلج والطبيعة، بل هي أيضًا تأمل في الذات والهوية وكيفية تشكلها في سياق العلاقات مع الآخرين ومع الطبيعة.
5. التقنية الفنية واستخدام الصوتيات:
الشاعرة استخدمت تقنيات صوتية رائعة تضفي على النص شعورًا بالانسجام والهدوء، كما في تكرار صوت /ال/ في /ندفة، ندفة/ و/تناثر/ و/تساقط/، ما يخلق وقعًا موسيقيًا يعزز الصورة السمعية للثلج المتساقط بهدوء. هذا التكرار الصوتي يتناغم مع فكرة الاستمرارية واللانهائية، مثل تساقط الثلج الذي لا يتوقف.
6. الخاتمة:
قصيدة /هل تكون السماء أماً/ للشاعرة كزال إبراهيم خدر هي نص غزير في رمزيته وتعبيراته العميقة. من خلال استخدام الثلج كرمز للأمومة والهوية، تفتح الشاعرة أمام القارئ مجالًا واسعًا من التأملات الفلسفية والجمالية حول العلاقة بين الإنسان والطبيعة، والتاريخ، والهوية الثقافية. النص الشعري لا يتوقف عند حدود الطبيعة، بل يتجاوزها ليدخل في أعماق الروح البشرية والتجارب الذاتية، في مشهد شاعري يصوّر عوالم داخلية من الأمل، والقلق، والتساؤلات.
المصادر:
ميخائيل نعيمة، الغربال
نازك الملائكة، قضايا الشعر المعاصر
جرجس شوشة، الشعر العربي الحديث
هل تكون السماء أماً
شعر:"كزال ابراهيم خدر
ترجمة: "نسرين محمد غلام "
-١-
بكل هدوء
ندفة ، ندفة
تتناثر حبات الثلج
من صدر السماء الصافية
وتتساقط
هل يمكن أن تكون السماء أُم ؟
وتنزل من ثديها الحليب
-٢-
بكى الثلج
وقال :
أُريدُ أن أظهر بلونٍ أبيضَ
طول فصول أُلسنة
كي امثل اللون الابيض
لجميع عرسان وطني
-٣-
لا تلاعبيني بكرات الثلج
لا أتحمل تلك الكرات
لأني ما زلت طفلة صغيرة زنّانة
ألح على كثير من الأشياء
-٤-
هل الثلج يشبهك ؟
أم أنت تشبهه
أنا لا أعرف كيف تظهر أنت
في ليلة ثلجية
كالقمر المنير
-٥-
تفرح الأشجار كثيراً
مع كل ندفة ثلج تهطل من السماء
وتبيض خصلات شعرهم
ألَم تقل انت
ان شعرك جميل يشبه الثلج
-٦-
بابا نوئيل صدق
عندما قال
إن الثوب الأحمر
يتناسق مع لون الثلج
لأنه يشبه لون خديك
عندما يكون زائراً عند شعري
-٧-
جبل ( أزمر ) متزين بلونه الأبيض
ينتظر مشيتك متبختراً
هو لا يعلم أن العشق هكذا
يضيع نفسه للابد
بين خصلات شعري البيضاء
-٨-
شجرة الزيتون التي أمام مدخل منزلنا
أصبح لونها أبيض
وفقدت خضرتها
بالله عليك
غيري أنت أيضا لونك
لأنني لا أحب السواد
-٩-
قل للثلج أن يتساقط
لا أريد أن أرى عينيك
عليّ أنا
تنظر الى شعري أنا فقط
-١٠-
في بشرتك ألبيضاء
أنا فقط أرى صورتي
هل أنت بيضاء من الطبيعة .
أم أنا أتصورك لعبة الثلج .