عرّافون أم دجّالون؟.. أسباب لجوء النساء للسحر والشعّوذة
بغداد - عادل حيدر حسون
اقاويل واشاعات تشيرُ بأصابع الاتهام الى النساء باللجوء الى العرافين لحل مشاكلهن مهما كان نوعها اكثر بكثير من الرجال، الا ان المشاكل المعتادة الاكثر رواجا هي الزواج بالنسبة للعوانس ممن يتصورن ان قطار الزواج قد فاتهن او في طريقه لتجاوزهن او جلب الحبيب او الشفاء من مرض معين وغيرها من الامور التي تشغل بال المرأة في حين ان الرجل ربما يعتبر الاقل شغفا وتوجها الى امور السحر والشعوذة، وهنا لابد من الاشارة الى ان الفترة التي تلت احداث عام 2003 شهدت رواجا كبيرا ومتصاعدا في اعمال السحر وفك الطالع.
ولإثبات او دحض هذه الافكار كان لابد من وضع خطة معينة تمكننا من التسلل الى مخابئ هؤلاء العرافين واماكن تواجدهم والحديث معهم او مع مراجعيهم والتأكد من نوعية ومستوى الاشخاص الاكثر ترددا عليهم، تساؤلات عدة خطرت في بالي وانا في طريقي الى منزل احد العرافين الذي يسكن ناحية الحسينية في اطراف محافظة كربلاء ويسمونه (السيد)، ورغم هواجسي العديدة ومخاوفي من كشف امري من قبله ورفضه تلبية مطالبي، او الاجابة عن تساؤلاتي الا انني كنت احاول مع نفسي ترتيب بعض الاعذار لأحصل على مبتغاي، فقررت ان اطلب موعدا لمراجعته من قبل احد مساعديه الذي كان يبدو في هيئة ضخمة ومخيفة ربما وضعه ذلك العراف تلافيا لبعض الاشكاليات كي يتدخل بالوقت المناسب لفضها بطريقته الخاصة، وهنا ازدادت مخاوفي اكثر من ذي قبل من فشل مهمتي وعودتي خائبا دون نتيجة، لكنني حاولت تمالك نفسي وتجاوز هواجسي ومخاوفي من خلال الطلب بثقة من ذلك المساعد المخيف في تحديد موعد لي مع السيد لوجود مشكلة خاصة بي لعل وعسى ان اجد الحل عنده ،فأجابني على الفور تستطيع ان تدخل اليه بعد حوالي الساعة لكن.. اذا دفعت المقسوم..، فوافقت دون تردد ومددت يدي في جيبي لأعطيه المبلغ فقال اذهب الى تلك الغرفة المجاورة وسأوافيك حالا، مشيت لتلك الغرفة التي كانت معتمة تماما وخالية الا من بعض الاثاث القديم والمتهرئ ومنها تلك المروحة السقفية التي تتحرك ببطء مصدرة اصواتا ما انزل الله بها من سلطان، ولم يطل انتظاري كثيرا حتى جاء فناولته(المقسوم)وطلب مني بالحرف ان لا افصح عن مساومته واعطائه مبلغا من المال والا! مشيرا بإصبعه دليلا على التهديد.
تهديد بالزواج
وانا انتظر قبل دخولي للسيد بدأت افكر في نوعية المشكلة التي اعرضها عليه والتي استطيع من خلالها ان اجعله يتعاطف معي ويفصح لي عما اريده، وهنا حاولت استغلال وجود ثلاث نساء متوسطات في العمر ينتظرن دورهن في الدخول للسيد فسالت احداهن عن سبب وجودها هنا ،قالت عانيت كثيرا مع زوجي الذي طالما يهددني كل يوم بالزواج من امرأة اخرى لعدم انجابي الذكور حيث رزقنا الله ببنتين جميلتين وهما الان في السادسة والسابعة من عمرهما الا انه يحلم بوليد ذكر، وجئت للسيد عسى ان يكبح جماح زوجي ويجعله يعزف عن التفكير بزواج جديد ، فقلت لها وهل تعتقدين ان لديه القابلية على ايقاف طموح زوجك، فقالت لست مطمئنة تماما لقدرته لكن لا يوجد لدي حل اخر خاصة وان بعض رفيقاتي اقترحن علي مراجعته، وهنا تدخلت سيدة اخرى كانت تجلس بجانبها فقالت السيد نجح في حل مشكلة جارتي والتي نصحتني بالقدوم اليه، سالتها وما مشكلتك التي جئتي من اجلها قالت، اعاني من بعض الكوابيس في النوم والتي تنتابني بشكل يومي وتحرمني من النوم حتى اصبحت لا اطيق حياتي.
وبينما كنت في حالة استرسال وحديث مع السيدات اللائي ينتظرن دورهن ، جاءني مساعده ليخبرني ان السيد بانتظاري ويبدو ان (المقسوم)الذي دفعته لمساعده قد اتى اكله تماما لأدخل قبل غيري ، ارتبكت قليلا لأنني لم اجد حتى تلك اللحظة ما سأعرضه عليه لكنني نهضت من مكاني بسرعة ودخلت الغرفة التي كانت انوارها ضعيفة وحمراء والدخان يملأ المكان ويحيط نفسه ببعض الكتب الغريبة التي حاولت التقط اسماءها الا انها كانت متهراة ولم استطع قراءة عناوينها من خلال تلك اللحظات السريعة والعابرة التي وقعت عيني عليها ،اضافة لبعض الاحجار الكريمة والبخور، القيت التحية عليه فرفع راسه نحوي وقال تفضل بالجلوس واشرح لي مشكلتك، فقلت مشكلتي تتعلق بكوني لم استطع الحصول على وظيفة مناسبة رغم انني حاصل على شهادتين جامعيتين في اختصاصين مختلفين وانا اعيل عائلة كبيرة لا قبل لي بمصاريفها، فابتسم وقال ابشر قضيتك سهلة الحل لكن تحتاج الى الدفع فقلت انا مستعد وحاضر لتلبية اي مطلب فقال احسنت يا ولدي انت متفهم تماما لخصوصية عملنا فهناك من يحاول ان يساومنا على المبلغ الذي نطلبه منه وكأننا بائعي فواكه دون ان يعوا صعوبة وخطورة عملنا، وهنا وجدت ان الفرصة مناسبة تماما لتحقيق ما اريد، فقلت له، هل هم من الرجال مثلا هؤلاء ام من النساء؟ فأجابني بتوتر الرجال رغم قلة عددهم الا انهم دائما ما يعترضون على المبالغ التي نطلبها، فقلت له وماذا عن النساء؟ ابتسم قليلا وقال بالعكس متعاونات وودودات ويوافقن على اي مبلغ اطلبه دون مناقشة وهن اكثر واقعية من الرجال، فقلت له هل النساء اكثر من الرجال من مراجعيك؟ قال نعم تراجعني يوميا حوالي عشرين امرأة في حين لا يتجاوز عدد الرجال خمسة اشخاص في اليوم، خرجت من غرفته على عجل وانا الملم افكاري التي خرجت بها من رحلتي الاستكشافية هذه على امل ان احظى بفرصة اخرى قريبة.
مرض عضال
صديق قديم لي دلني على عراف اخر يسكن منطقة تقع على بعد 20 كيلو مترا تقريبا عن مركز مدينة كربلاء واسمه الشيخ(...) لكنه نصحني بالذهاب اليه مبكرا مع ساعات الصباح الاولى لكثرة الزخم عليه ، وبالفعل فقد حزمت امري على الذهاب اليه باكرا عليّ احظى بفرصة استكمال موضوعي، وما ان وصلت اليه حتى وجدت عديدا من المركبات التي تحمل لوحات لمحافظات مختلفة، قلت في نفسي لابد ان يكون له تأثير معين حتى يأتيه هذا الكم ومن المحافظات الاخرى، وفرحت لأنني جئتُ الى المكان المطلوب فعلا، سارعتُ لحجز دوري في الدخول الى (الشيخ المبروك) او هكذا يسمى هناك، وبعد ان ايقنتُ ان دوري ربما سيتأخر كثيرا هذه المرة دون ان اجد من يأخذ(المقسوم)ليدخلني اليه بسهولة، وبينما كنت أتأمل ما يجري في المكان الذي يجلس فيه الشيخ وهو عبارة عن بستان كبير فيه الكثير من المزروعات والفواكه كواحد من البساتين العديدة التي تشتهر بها هذه المنطقة، سمعتُ نقاشا حادا يدور بين امرأتين ورجل كبير طاعن في السن يبدو انهما ومن خلال لهجتهم من الجنوب فقررتُ ان استرق السمع وانصت لما يدور بينهم فتقربت منهم كثيرا لاسمع بوضوح، واحدة من تلك النساء كما عرفت هي ام لفتاة تبلغ من العمر 28 عاما ُتعاني من مرض عضال لم يستطع الاطباء تشخيصه او ايجاد العلاج المناسب له والعائلة لا تمتلك المال للسفر الى الخارج، وكان مرض هذه الفتاة هو تساقط كثيف لشعرها وآلام غريبة في مختلف مناطق الراس والفتاة تحتدم بالنقاش مع والدتها حول فائدة مجيئهم للشيخ، وهنا لاحظتُ ايضا كثرة عدد النسوة اللائي جئنَ للحصول على العلاج من الشيخ الذي يبدو انه متخصص بعلاج الامراض المستعصية او هكذا يظن من يراجعهُ على الاقل، ورأيت ان ما حصلتُ عليه يكفي للانسحاب وترك الشيخ مع مرضاه لأصل الى حقيقة ان النساء فعلا هنَ اكثرُ اقبالا على اعمال الغيب وفك الطالع من الرجال بل انهنَ على استعداد لدفع مايطلبه منهن هؤلاء العرافون من مبالغ مالية مهما كانت مرتفعة خشية اغضابه او زعله.
توضيح النسب
وقد وضعت هذا الامر على طاولة الدكتور س. ح استاذ علم الاجتماع الذي اكد ان النساء هن الأكثر اعتقادا في السحر والشعوذة والأكثر ترددا على العرافين والمشعوذين، واضاف ان هناك دراسة أكدت أن 55 بالمئة من المترددات على السحرة من المتعلمات، و24 بالمئة يجدن القراءة والكتابة، و30 بالمئة من الأميات ونفس النسب تقريبا تنطبق على الرجال ونوه الى ان الدراسة اوضحت ان نسبة 51 بالمئة من المترددات متزوجات وهو ما يوضح ارتفاع نسبة المشاكل الزوجية في مجتمعنا وحالات الطلاق اليومية نظرا لما يواجهه المجتمع من تحديات كثيرة على مختلف الاصعدة، و21 بالمئة من العوانس الراغبات في نيل رضا المحبوب ،الطريف أن الدراسة كشفت عن أن 57 بالمئة من المترددات اعترفن أنهن لم يحققن شيئا، في حين أعرب 42 بالمئة عن اعتقادهن أنهن استفدن من السحر.
وعن السبب في ارتفاع نسبة المترددات على السحرة يقول د. س .ا الأسباب عديدة، لعل أهمها تفشي الأمية وانعدام الثقافة بمجتمعاتنا العربية عموما والتي تتميز أيضا بالاعتقاد في الخرافات والأساطير الشعبية الوهمية عن الجان وقدرته، بالإضافة إلى أنه هروب من الواقع المرير، كما أن المرأة أضعف من الرجل.
ويؤكد د. ا ظ استاذ متقاعد على كثرة تردد المرأة على المشعوذين اكثر من الرجل، لأن المرأة أكثر تصديقا للشائعات، فهي تصدق بسهولة أن الدجال يستطيع حل مشاكلها، كما أنها تجد في السحر وسيلة سهلة ومريحة لحل الأزمات التي تتعرض لها وتميل للبوح بما يؤرقها بصورة أكبر من الرجل، بالإضافة إلى أن لديها وقت فراغ أطول ومسؤوليات أقل.
اخيرا وفي ضوء كل ما تقدم نرى ان المرأة اكثر قناعة وربما تفهما لعمل هؤلاء السحرة والمشعوذين رغم الاعباء المالية التي تقع على عاتقها وبالتالي تأثيرها السلبي المباشر على الوضع الاقتصادي لاسرتها، ما يتطلب تدخلا مباشرا سواء من قبل الجهات المختصة اوالازواج والمنظمات المدنية الانسانية من خلال توجيه المشورة والنصح لتلك النسوة بضرورة الابتعاد عن هؤلاء العرافين او السحرة لانهم لا يمتلكون ادنى وسيلة لمساعدتهن بل ان جل اهتماهم هو الحصول على المال ليس الا.