إصرار كردي ورغبة أمريكية لتدفّق نفط كردستان إلى الأسواق العالمية
آريان إبراهيم شوكت
بعد تسلم مسرور بارزاني مقاليد رئاســة الوزراء في حكومة اقليم كُردستان العراق وجدت القيادة السياسية الكُردية وعلى رأسها الحزب الديمقراطي الكُردستاني بزعامة مسعود بارزاني ضرورة مساهمة قطاعات الطاقة الكُردية فيعمليات التخطيط العمراني والبناء الاستراتيجي بشكل أوسع كخطوة مكملة للجهود الحثيثة التي بذلت في الكابنات الوزارية السابقة في فترة تولي نيجيرفان بارزاني رئاسة وزراء حكومة اقليم كُردستان من أجل الارتكاز على وضع اللمسات الاساسية لبناء البنية التحتية لاقتصاد اقليم كُردستان متزامناً مع حزمة اصلاحات حكومية وفق سياقات علمية مدروسة لربط حلفاء العمل السياسي بالمصالح الاقتصادية للأكراد، لكن وفق خطوات وتكتيكات متأنية علىالمديين المتوسط والبعيد، بحيث تكون عائدات البترول في اقليم كُردستان المصدر الأول في الوقت الحاليلمـــواجهة الأزمات المقبلة والرهانات الـــسياسية التي قد تلوح في افق السنوات العجاف القادمة خصوصاً تلك التيتفتعلها بغداد بين الحين والاخر، بحيث يتحتم على اقليم كُردستان توفير الطاقة اللازمة للاستهلاك المحلي وعلى المستوى الخارجي ومحاولة الوصول الى أعلى طاقة انتاجية في السنوات القادمة . وتســـتثمر حكومة الاقليم فيســـبيل ذلك مــبالغ مالية ضخمة، مستهدفة بذلك تحول احتياطــاتها من النفط والغاز والمصادر الأخرى إلىاحتياطات نقدية تســـتخدم في علمية التنمية المستدامة والتطوير والتوسع لكل القطاعات الإنتاجية والخدمية خصوصاً بعد قطع موازنة الإقليم في السنوات المنصرمة من قبل بغداد في عهد رئيس الوزراء العراقي الاسبق نوريالمالكي. ومنذ ذلك الحين لم تقدم الحكومة الاتحادية التمويل اللازم وماعليها سنويا وشهرياً بشكل منتظم لدفع رواتب موظفي إقليم كردستان .
نظرة سياسية
وهنا بدت الصورة شائكة للغاية وغير قابلة للهضم أمام بعض الاخوة من صناع القرار السياسي والاقتصادي فيبغداد، بسبب النظرة السياسية القاصرة والتفرد بالقرارات الاحادية واتخاذ مواقف فورية وصرف النظر عن اللحمة و الاعتبارات الوطنية و الاستراتيجية الطويلة المبنية على الفهم العميق للمستقبل اضافة الى إخفاقاتهم المتكررة فيميدان الطاقة، خصوصاً في فترة تولي الشهرستاني حقيبة وزارة النفط العراقية . في وقت تسبق الحكومة العراقيةحكومة اقليم كُردستان في هذا المجال وبما يقرب مئة عام لكن تبدو الصورة أكثر تعقيداً عند النظر إلى النجاحاتالكبيرة التي حققها الإقليم الكُردي في ظل الخطط النفـــطية التي بدأها و أعدها ونفذها نيجـــيرفان بارزاني المنفذالأول على المستوى الكُردستاني في تحويل الاحتياطات إلى وفورات مالية كبيرة، في وقت يعتبر الاستخدام الأمثللهذه الموارد المالية وبهذه السرعة الفائقة التحدي الأكبر لاقليم كُردستان في مواجهة اللاءات المتكررة لوزارة النفطالعراقية التي لا تدفع ماعليها من مستحقات للشركات النفطية العاملة في اقليم كردستان وتضع العراقيل وتستغل عامل الوقت والروتين الاداري المتعمد لاستثماره كأطول مدة ممكنة حتى لايتسنى من جديد استئناف تصدير نفط اقليم كُردستان الى الاسواق العالمية عبر ميناء جيهان التركي بينما قدمت حكومة اقليم كُردستان برئاسة مسرور بارزاني كل المرونة و التسهيلات اللازمة لبدء عملية التصدير مرة اخرى عن طريق شركة (سومو ) العراقية المتخصصة بتسويق النفط الخام والمشتقات النفطية الى الاسواق العالمية . ويبدوا أن النواة الاولى للخلاف القائم بين بغداد واقليم كُردستان بشأن النفط يرجع الى عام 2007 عندما أنشيء في اقليم كُردستان المجلس الاقليمي لشؤون النفط والغاز وذلك لوضع السياسة النفطية وخطط التنقيب وتطوير حقول النفط في الاقليم . وبعدما تمت الموافقة على العقود النفطية من طرفها رأت حكومة بغداد هذه الخطوة وذلك المجلس مخالفاً للدستور العراقي الحالي وأنها ( أي بغداد) فقط صاحبة الحق المطلق !؟ في استغلال الثروات النفطية في كل مناطق العراق . ناسياً أن القانون الاسمى والاعلى في العراق بعد عام 2003 وهو الدستور العراقي ينص حرفيا على أن العراق الجديد دولة اتحادية وليست مركزية ولايجوز سن قوانين يتعارض مع مواد الدستور الجديد؟ . أما على الصعيد الدولي فإن الادارة الامريكية الجديدة تحث بغداد واربيل على الاسراع ببدء عملية التصدير كما طالب مستشار الأمن القومي الأميركي (مايكل والتز) إقليم كردستان على الإسراع بتشكيل الحكومة واستئناف تصدير النفط في اقرب وقت ممكن عبر ميناء «جيهان» التركي المتوقف منذ مارس (آذار) 2023.
ومن جانبه يرى المحلل الاقتصادي (سيمون واتكينز) في تقرير له على موقع (أويل برايس ) الأميركي أن الهدف النهائي للحكومة الاتحادية العراقية في بغداد يتلخص ببساطة في إنهاء أي استقلال لإقليم كُردستان.مضيفاً أن الآلية الرئيسية التي سوف يتم بها تحقيق هذه الغاية هي حرمان الإقليم من النقد ومن مصدره الوحيد المهم للدخل من صادرات النفط وبدرجة أقل صادرات الغاز.
ان إعلان حجم احتياطات النفط في كردستان العراق جعلت الشركات العالمية تسارع الخطى للحصول على الكعكةالكُردية لكن وفق المصالح المشتركة للطرفين بعكس بغداد التي عانت لفترات طويلة بسبب انفلات الوضع الأمني الذيعرقل عمل الشركات العاملة في العراق في كل القطاعات الحيوية، على عكس كُردستان التي تقاطرت اليها شركاتنفطية عالمية كثيرة وبات الجميع يبحث عن موطئ قدم للفوز بفرصة عمل فيها. ورغم كل النجاحات الكُردية في مجال البترول والطاقة مع هذا يجب على القيادة السياسية الكُردية أن تكون حذرة ويقظة جداً و أن لاتنسى معلومة مهمة جداً وتتعامل معها بكل جدية و تأني حتى لاتتحول النفط من نعمة الى نقمة؟ كما حدث في ايران والعراق وفي ليبيا وفنزويلا ودول اخرى .. فالنفط على قدر اهميته كسلعة تجارية استراتيجية ومصدر هام من مصادر الطاقة الاولية فهو أداة سياسية خطيرة جداً ؟ فقبل فترة وجيزة وفي لقاء تلفزيوني مع (محمد الدوري) مندوب العراق الدائم لدى الامم المتحدة إبان سقوط النظام العراقي في عام 2003 ورداً على سؤال موجه له : متى بدأت الحملات العدائية واستهداف العراق سياسيا وعسكريا بشكل مباشر ؟ فكانت اجابته كالتالي : بعدما قمنا بتأميم النفط في حزيران عام 1972 … والان صحيح أن هنالك ضوء أخضر أمريكي لاقليم كُردستان في كل التفاصيل المتعلقة بالنفط لكن الحيطة و الحذر نهج في صنع السياسات الناجحة واعتماد التدابير الوقائية لمعالجة المخاطر المحتملة عند حدوثها وعلينا أن لانسكر بالنصر سريعاً …
صراعات مسلحة
فما بيننا وما بين بعض العقليات الحاكمة في بغداد لاينتهي بعام أو بخمسة أو خمسين ؟ وطويلة هي معارك التحرير ؟
وهنالك بلدان كثيرة كان اكتشاف ثروات النفط والغاز فيها بداية لصراعات سياسية تحولت الى صراعات مسلحة كما حدث في نيجيريا، او صراعات حدودية كما هو الحال بين السودان وجنوب السودان.
واحيانا لم تضمن عائدات الغاز والنفط تنمية شاملة تؤدي الى توفير فرص عمل للشباب كما هو الحال في الجزائر الذي يمتلك احتياطيات مالية هائلة، وعلى الرغم من ذلك يعاني من ارتفاع كبير في البطالة.
وفي تجارب اخرى ناجحة استخدمت عائدات النفط في اقامة بنية تحتية حديثة، ومشاريع تنمية متطورة كما حدث في عدة دول خليجية.
ان مؤشرات النجاح الكردي في مجال الذهب الأسود كانت على يد حكومة اقليم كُردستان بصفتها الراعي الأولللملف النفطي في اقليم كردستان بحيث وضعوا لوائح أهداف متوازنة لاستخراج البترول وفق مؤشرات رئيسة عن طريق تكليف خبراء متخصصين في مجال البترول بالاعتماد على أفضل التجارب المشابهة في البلدان الاخرىالمتفوقة في قطاع الطاقة.
ويجب القول أن كُردستان قد وضعت خططاً استراتيجية مفصلة للسنوات المقبلة، ما يبشر بتقليص حاجة الإقليملبغداد في السنوات العجاف المقبلة وذلك من باب الاحتياط واليقظة عندما تتجه العلاقة فيها بين بغداد وإربيل الىفتور مزمن على المستوى الديبلوماسي والسياسي والاقتصادي مثلما حدثت في الفترة الماضية.
وقد تبدو الصورة اكثر وضوحاً يوماً ما عندما تلتف الحكومة الاتحادية كعادتها؟ على الاتفاقات المبرمة بين اربيلوبغداد، كما أكد على ذلك ساسة الاقليم في مناسبات عديدة وهم يتحدثون عن الملفات العالقة بين الطرفين، مؤكداًأنهم شاركوا في بناء العراق الحديث على أساس ثلاثة مبادىء: الشراكة والتوافق، والمشاركة الفعلية في القرارالسياسي، معاتباً طريقة بعض ساسة بغداد في منحى تفكيرهم التي هي أقرب الى التسلط والهيمنة ورفض شركائهمفي القرار السياسي، بحيث يرون ان استقرار القطاع النفطي في كردستان وتقدمه لا يسران الســلطات الاتحادية لأنبغداد لا تزال حتى هذه اللحظة تحكمها العقلية الأمنية، كما كانت في عهد صدام حسين وهو تصور التآمر على الشيء قبل بدايته! علماً أن الحكومة العراقية تحتفظ بسوابق كثيرة في نقض الوعود مع الحركة الكردية وعدم تنفيذالاتفاقات المبرمة، ما يقودنا الى الانقسام والتجزئة.
وختاماً نقول : مع مرور الوقت وتداخل الأجندات الداخليةوالإقليمية والخارجية فإن حكومة اقليم كُردستان تسعى بكل طاقاتها الى أن تقود المساعي الخيرة والنوايا الطيبة إلى نجاح الاتفـــاقات المبرمة بين أربيل وبغداد وعدم العودة الى مربع تراشق الاتهامات بين الطرفين. كما يجب القول إنالبترول الكُردي سلعة استراتيجية ستتمحور حولها الاستراتيجية الكُردية بشقيها الاقتصادي والسياسي، كأحدمقومات حكومة اقليم كُردستان التي تشق الآن طريقها بكل عزيمة وثبات نحو الافــــــــق والنور .