الموسيقى بين الانثروبولوجيا وألاثنوموسيقولوجيا
انمار العمار
يتداخل مصطلحا إثنوموسيقولوجيا وأنثروبولوجيا الموسيقى التي اهتمّت بموضوع الموسيقى ذات التقاليد الشفوية حدّ الترادف، بقدر تداخل مصطلحي “إثنولوجيا” و”أنثروبولوجيا” في الكتابات العلمية المرتبطة بالعلوم الانسانية حدّ التساوي في المفهوم الضمني، حيث تُعدّ أنثروبولوجيا الموسيقى والإثنوموسيقولوجيا مبحثين متجاورين يصعب رسم الحدّ بينهما، وربّما قد لا يستوجب الأمر ذلك ، فقد اشترك المبحثان أوّلا في التوجّه إلى موضوع البحث نفسه، وتركّز اهتمام الروّاد الغرب خلال فترة هامة من القرن الماضي على الموسيقى ذات التقاليد الشفويّة داخل مجالات جغرافيّة اعتبرت نائية تمارسها مجموعات عرقيّة صغيرة وُصفت بـ”البدائية”، حتّى انفتح الاهتمام لاحقا إلى مختلف ثقافات العالم لكي يطال موسيقى المجموعات الاجتماعيّة المحليّة داخل المجتمعات الكبرى، كما اشترك المبحثان في منهج البحث المتبع لإنجاز الدراسات العلميّة، والمرتكز أساسا على العمل الميداني المباشر، والمواكب لمختلف مظاهر الحياة الاجتماعيّة والثقافيّة، حيث يستقي فيه الباحث معلوماته من خلال الملاحظة بالمشاركة. بيد أن قراءة مستفيضة للدراسات النظريّة الإثنوموسيقولوجية تبرز تباين توجهين رئيسيين في الأهداف الرئيسية للمبحث. فقد ناست البحوث الإثنوموسيقولوجيّة خلال مراحل تطوّرها بين تيارين متباينين نسبيّا: تيّار نظامي صرف ينطلق من المادّة الموسيقيّة المحايثة الخاصّة بالأقليات العرقيّة لفهمها من خلال البحث فيها واستخراج القوانين التي تحكم نظامها والتعرّف إلى طرق تنفيذها وتواترها، والوقوف على خصائص الآلات الموسيقيّة المستعملة فيها، وتيّار ثقافوي ينطلق من أنساق الممارسات الثقافيّة ومن سلوك المجموعات التابعة لها لتفسير الظواهر الموسيقيّة وتداخلها مع مجمل تمفصلات الحياة العامة، وما يحوم حولها من دلالات ووظائف اجتماعية وتمثّلات نفسية وعاطفيّة.