في الحوار الاخير مع محمد شكري جميل : الدراما تكشف سوء النية لأنها تجعلك تنتمي إلى الحق
عمان – مجيد السامرائي
لستين يوماً- في ابو نصيرشمالي غربي عمان – في حي السعادة تحديدا قضى عزلة قاحلة ؛زرته للاتفاق على مباديء الحوار الاخيرفي اطراف الحديث قبل رحيله؛ سألته :
بماذا تفكر؟
لم أكن وحدي فقط، فأنا دائماً أخاطب نفسي وأحاورها، فالحكاية لها بداية، وسط، ونهاية، وإذا خلت الحكاية من الأحداث، لن تكون مثيرة أو تستحق الحوار. ولهذا، أنا دائم الحوار مع نفسي، أعود معها من البداية إلى الوسط ثم إلى النهاية.
□ محمد شكر جميل، من أنت؟
«أنا لا يسأل عني أحد حين أغيب، انا كالرحمة مفقود، وكالحق غريب، فالإنسان لا يُسأل عنه إلا حين تكون هناك عدالة إنسانية، وحيثما وجدت العدالة، وُجدت الرحمة.
متى تلقيت آخر مكالمة من فاطمة الربيعي؟ صباح هذا اليوم..
□ لكنك قلت: لا أحد يسأل عني.
إذن، هذه ليست قصيدتك (أنا لا يسأل عني أحد)).لا، بل هي قصيدتي الداخلية، لأن الإنسان عندما يختار أن يعيش بمنظور سينمائي، لا يستطيع أن يتخلى عن الإيحاء. والإيحاء هو دائماً شكل من أشكال المحاكاة.
□ أنت رجل بدائي.
نعم، البدائي لا أقصد به هو الرجوع إلى الوراء البدائي هو يبتدئ في المعرفة ,والمعرفة، يسمونها العلم هي معرفة فعندما الإنسان يعلم يعني يدري ويدري أنه يدري.
□ هل تشعرمع نفسك بأنك كيان مادي ولك وزن؟.
لا، أنا لست شخصًا ماديًا. حتى في رؤيتي، فإن بصري يمثل الطريقة التي أنظر بها إلى حياتي السينمائية منذ الصغر. أنا أرى ليس فقط بعيني، بل بروحي وعقلي معًا، والروح هي من أمر ربي.
□ أنت تقرأ القرآن .قال تعالى (فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) ما تفسرها؟
إذا تأملت أن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان وأودع فيه هذه الحواس جميعها في الوجه، ستدرك أن أهمها هو البصر. فالبصر هو متعة القلب، وهذه المتعة تنبع من الترابط المباشر بين القلب والدماغ والعقل. بدون ضخ الدم من القلب، لا توجد قدرة على الإيحاء أو التعبير. لذلك، تتوقف الحياة عند توقف القلب، لأنه مصدر الجمال والروح، ويبقى البصر هو الأساس الذي يدعم كل ذلك.
□ كيف قضيت الستين يوم الماضية؟
كنت أراجع نفسي في كثير من الأحيان وأكرر ما كتبه الله لنا في رسالته القرآن الكريم.
□ في بيتك مازحْتَ الستارة عن شاشة التلفزيون لماذا؟
لأن التلفزيون يبعدني عن الحقائق كثيراً ويجعلني أشبه بـ(خراعة الخضرة)، التي تمنع العصافير من أكل الرزق الذي وهبه الله لنا، مثل الحنطة.
□ هل طارت عصافيرك؟
أنا لا أحب العصافير؛ لأنها دائماً ترفع رأسها إلى الأعلى، بينما أنا أفضّل النظر إلى الأسفل، حيث أرى مصير البشر تحت التراب. فقد خُلق الإنسان من التراب، وإلى التراب يعود.
يقال العصفور عصا وفرَّ..هذا تعبيرك ..لا، لغويين.أنا لا أردد تعبير الآخرين ..
الوقوف الطويل
□ لماذا تحمل معك عصاوانت المعلم – العــــراب ؟
لأني أستخدمها للاستناد على ركبتي، فأنا أشعر بالألم من الوقوف الطويل أمام الممثلين وخلف الكاميرا، حيث كنت أبذل جهدي لإيصال أفكاري إلى الآخرين.
□ لقد كنت حاضرًا لمشهد وأنت تضرب بالعصا.
أفعل ذلك لأنني أحيانًا أفقد السيطرة، وأنا لم أخلق نفسي، بل خلقني الخالق الذي خلقك وخلقني.
«-العبد يُقرع بالعصا والحر تكفيه الإشارة...»اسأل الشاعر الذي قالها، لا تسألني، فأنا لا أؤمن بمثل هذه الأقوال.
□ لكن في النهاية، المشاهد ليست إلا مجموعة من الإشارات.
لا، لأن الإشارات تحمل معاني في السلوك، فالسلوك ليس إلا انعكاسًا لما يحدث. في السينما، نسميه ردود أفعال، إذ لا يمكن أن يوجد سلوك دون فعل يسبقه. والخالق الحقيقي لهذه الأفعال هو القدرة الإلهية الكامنة داخل الإنسان، والتي تتركز دائمًا في العقل والبصر.
□ أتدري؟ لقد عصيت نصيحة عمك فؤاد جميل عندما قال لك: «لا تذهب إلى الفلسفة.»
بالنسبة له، كانت الفلسفة تعني البحث عن المعرفة، ولكن الأمر لا يقتصر على ذلك فقط، بل يتعداه إلى التساؤل عن أصل المعرفة نفسها. فالمعرفة تأتي من الإدراك، ولولا العقل لما وُجد الإدراك. وهنا يطرح السؤال: ما الفرق بين الإنسان العاقل ومن فقد عقله؟
□ يقال: السينما نوع من الجنون.
لا، بل هو نوع من الاستطلاع... أصحح قولك؛ لأنني مارست هذا العمل لأكثر من نصف قرن، ومن خلال تجربتي الطويلة، أدركت أن الله سبحانه وتعالى منحني قدرة تدفعني إلى هذا الطريق. إنه شيء روحاني، لأن حبي للسينما ينبع من أعماق روحي، فأنا أرى ليس فقط بعيني، بل بالروح والعقل معًا.
□ كل المخرجين الكبار أدوا مشاهد تمثيلية، مثل يوسف شاهين في باب الحديد.وهيتشكوك ايضاادى ادوار قصيرة في افلامه لكنك لم تمثل ؟
لا، لم أمثل لأنني منشغل، لكن ليس بنفسي، بل بعملي. عندما أعمل، أشعر بقلق دائم، لأن مشاعري تحمل طابعًا روحانيًا.
□ بماذا تشعر الآن، في هذه اللحظة؟
أشعر أنني موجود وغير موجود في الوقت نفسه… غير موجود لأنني دائمًا أسأل نفسي عن المكان والزمان والتغيرات التي لم أكن أتصورها، رغم أنني أحمل تصورًا داخليًا عنها، فمجرد دعوتي لهذا اللقاء يعزز لدي هذا الإحساس، وهو ما يجعلني أشعر بأن لدي القدرة على استيعاب ما يُوحى إليَّ.
□ هل الدراما تقوم على سوء النية؟
لا، الدراما تكشف سوء النية، فهي تجعلك تنتمي ولا تنتمي في آنٍ واحد. تنتمي إلى الحق وإلى الطبيعة التي خلقها الله، فكلما تعمقت في فهم الخلق، ازداد إيمانك بالخالق!.