زمان كل يوم
ذكريات جواري السينما
نعيم عبد مهلهل
في طفولتنا كنا نقرأ عن الجواري في كتاب الف ليلة وليلة وحكايات الملوك والخلفاء وكنا نسمع عنهن في خطب المواعظ المراثي الدينية في المنابر .
وبسبب شغفي بالقراءة عن الجواري ، عشقت واحدة كانت معروضة في حانوت الجواري في سوق عباسي ببغداد أيام الخليفة الرشيد حيث تجلب الجواري الروميات والشركسيات والارمنيات والهنديات أيضاً ، وكنت بسبب تخيلي لمحاسنها أشعر انها تختلف كثيراً عن جواري اللائي كنت اراهن في افلام السينما . .
فقدتها حين أتى من أعجبَ بها واشتراها من حانوت بائع الجواري ، وما تبقى منها العطر الذي أشمه كلَّ صباح ، وأنا أدنو من الكتاب الذي ذُكرت فيه كواحدة من اجمل جواري بغداد واسمها ( زعفران ) ، ويوم بيعت أخذ الحزن منيَّ مأخذه ، وحين سألني أبي قائلاً : ما لعينيك يتجمع فيهما الدمع والإحمرار ؟
قلت : من غبار في الطريق لصق بهما فأدمعتا .
ردَّ بذكاء : ولكن الصبيان بعمرك لا يعشقون هكذا؟
فردَّ خجلي صامتاً والدموع تنهمر : ولكن هذا الصبي عاشق يا أبي.
الأوراق التي تركتها لي زعفران ، كانت أطيافٌ لبوح التذكر، واللهفة التي تستيقظ معي لتسرع مستبشرة بنظرتها مع كلِّ شروق شمس ، ويوم يكون الصباح غائماً أعرف أنَّ بريق أجفانها شمسٌ أخرى وحتى أصحاب حوانيت السوق اقتنعوا بضوء الفتنة، وانا أتساءل معهم ، كيف تباع تلك الدمية المطاطية الناعمة الخد ؟
أما في بيئتنا السومرية جنوب فرات القلب فالدمى خشب وطين وخرق قماش ، وأعرف أن من بين الجواري اللائي قرأت عنهن واحدة شركسية جلبت معها دمى طفولتها، وكانت مصنوعة من خشب البلوط، ومحفور على خدّها ورد مذهبا ونجوما من نحاس، كانت ترتدي ثوباً من الساتان ، ويوم بيعت تلك الجارية تركت دميتها عند صاحب الحانوت وهي تعرف أن من اشتراها يريد أنوثتها ولا يريد طفولتها.
أما جواري السينما اللائي فتحت لهن صفحات على فيسبوك فهن ثريات ، ولديهن الملابس بأجمل ماركاتها والجواهر الغالية ، ويغدق عليهن الأثرياء والملوك والأمراء بالهدايا، وأغلب شروطهن أن لا تعلن أسماءهن علناً ، فيكون هذا إلى جانبهن وبه يتحاشين الفضيحة الإعلامية والاجتماعية والفنية لأنَّ الكثير من الهدايا كانت من وراء عشق ورغبة بليلة في فندق .أعرف أنَّ ممثلة مصرية وهي تتحدثُ عن الليالي الحمراء لخديوي مصر الملك فاروق أنه أتى بها ليس على سرير، بل في المقعد الخلفي لسيارته ماركة «مرسيدس بينز» حمراء، طراز 770، لم ينتج منها سوى نسختين؛ الأولى تم إهداؤها لشاه إيران، والثانية للملك فاروق ، وكان هذا الطراز يستخدمه الزعيم النازي هتلر، وهي اليوم في حوزة متحف كندي، وحصل عليها بمبلغ يقال إنه تجاوز المليون دولاراً. ويعرف عن سيارة فاروق أنها كانت مصفحة ومزودة بزجاج سميك يقي ركابه من الصدمات.
تلك الممثلة سمعت الملك في غرامه المستعجل في المقعد الخلفي يقول لها : هنا أعذب ممارسة من تلك التي تتفنن فيها الجواري في سرير الغرفة الخاصة؛ والخاصة تعني الغرفة التي لا تعرف أسرارها الملكة .
عدا ذلك فجاريات السينما ،وهن هنا لسن بصفة الاستعباد ،بل بصفة من تتمناه أخيلة رواد السينما وهن لسن ملزمات بقبوله أو معرفته. لم يخضعن لسلطة أحد سوى لسلطة المخرج، أو المنتج، أو الماكيير ولفترة إعداد الفيلم وتصويره ، ومن يمتلكهن دائماً تلك الحالة لا تطول في علاقتها ومودتها هو الزوج أو الصديق أو العشيق ، وهو معلن ومعروف ويظهران فيها أمام الصحافة وفي المهرجانات ولهما أماكن سرية تترصدهما فيها كاميرات الصحفيين الذين يبحثون عن الفضائح واللقطات والأخبار الحصرية ، وكل شيء تعيشه جواري السينما هو قائم على إرادتهن وحريتهن. ومتى شعرت الممثلة السينمائية خلاف ذلك فإنها إما تعتزل العمل السينمائي، أو تنتحر كما فعلت الممثلة مارلين مونرو، والممثلة المصرية سعاد حسني والمطربة الفرنسية داليدا وأخريات كثيرات .