الطبقة السياسية تلغي فكرة المؤسّسة لصالح البطل
سيف السعدي
بالرغم من بلوغ العملية السياسية سن الرشد إلا انها من ناحية التطبيق والفكر والفلسفة والمنهج ما تزال مراهقة، لانها لم تغادر الفكر الراديكالي الانتقائي الانتقامي إلى فكر مؤسسات الدولة وفلسفتها، ولم تستطع التخلي عن النزعة العنصرية المذهبية الطائفية إلى الفضاء الوطني، ومازالت تعمل بمعادلة الطيف الواحد ولا تؤمن بالالوان المتعددة على الرغم من وجود التعددية السياسية ولكن بصورة مشوهة، وممكن ان نطلق على النظام بعد (2003) بالنظام الهجين، لان يفترض الديمقراطية هي لغة ارقام والفائز هو من يشكل الحكومة ولكن المعادلة مختلفة لدينا في العراق، لان الفهم خاطئ لطبيعة النظام الديمقراطي، نعم هو قائم على اساس الاغلبية العددية داخل مجلس النواب التي تقرر وتشرع القوانين وتراقب السلطة التنفيذية ولكن ان تتحول الديمقراطية من اغلبية عددية ضمن الفضاء الوطني إلى اغلبية مذهبية هنا تكمن المشكلة، لان النهج سيؤثر على طبيعة النظام وسيلغي فكرة المؤسسات لحساب فكرة البطل، والفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو يقول «افضل شيء جاءت به الحداثة الغربية هي انها الغت فكرة البطل لصالح المؤسسة».
معادلة مختلفة
واحدة من سمات النظام الديمقراطي هو التغيير ولكن في العراق المعادلة مختلفة لان الفواعل السياسية تؤمن بفكرة البطل وكيفية الحفاظ على المصالح الشخصية واستغلال المال العام وتوظيفه باتجاه شخصي، وهنا يكون النظام ديمقراطي شكلاً ولكن كليبتوقراطي مضموناً واحياناً أوليغارشي، بسبب طريقة تفكير الفواعل السياسية التي تمتلك وزن صوتي، وهذه احد مشاكل النظام السياسي في العراق، لان الفكرة تدور حول من يجب ان يحكم، على حساب فكرة كيف يحكم!!، في الفكرة الاولى الحكم واجب، وفي الثانية الحكم منهج، وقد اشار كارل بوبر في كتابه «المجتمع المفتوح واعداؤه» الفرق بين النظام الشمولي والنظام الليبرالي الاول واجب والثاني منهج، والاخير يحتاج ثقافة ووعي من قبل الطبقة السياسية فضلاً عن المجتمع حتى نجد نظام ديمقراطي ناضج ومثلما قال برنارد شو يقول «لايمكن ان تقوم الديمقراطية في بلد فيه الامية مرتفعة» والامية بالمفهوم الحديث ليس الذي لا يقرأ ولا يكتب وإنما الذي يقرأ ولايفهم، وهذه المشكلة موجوده في العراق، ولدينا فواعل سياسية على هذا النمط لا يفقه اي شيء من الدستور والقانون والفلسفة الديمقراطية والانتخابية، ولكنهم محترفين بالفئوية والطائفية والمذهبية وكيفية توظيفها واثارتها لاغراض انتخابية ومصالح شخصية.
نموذج سياسي
الطبقة السياسية لاسيما الجهات التي تمتلك وزن صوتي ووزن سياسي لم تستطع على مدار (22) سنة بناء نموذج سياسي او اقتصادي او زراعي او صناعي او انتخابي يجعل الجمهور يثق بالطبقة السياسية، لان الفواعل السياسية الحاكمة اغلبها هي نفس الوجوه منذ (2003) ولغاية اليوم على الرغم من امتلاكها وهيمنتها على كل ادوات السلطة باستخدام سياسة «القهر الشرعي»، فضلاً عن معادلة الجناحين «السياسي والمسلح» ولكنها لم تستطع بناء دولة مؤسسات، او نموذج يتصالح به الحاكم مع المحكوم على العكس تماماً ذهبوا إلى تأسيس دولة موازية، فضلاً عن تكوين جمهور «زبائني» قائم على اساس علاقة مقايضة مابينه وبين الفواعل السياسية، وجمهور «عقائدي» وهنا يحضر عامل الايديولوجيات والعقل الجمعي «نظرية القطيع»، والجمهور المؤدلج الذي يتكون من الموظفين الذين تم توظيفهم بالوزارات من قبل نفس الفواعل السياسية لاغراض انتخابية، وكل هذه الانواع من الجمهور لا تشكل نسبة سوى (15 بالمئة) من الاغلبية الدهماء المقاطعة للانتخابات والتي تقدر ب (85 بالمئة)، والرافضة لنهج احزاب السلطة الحاكمة لذلك ليس من حق احد ان يقول انا الاغلبية الاجتماعية في ظل اغلبية ناقمة ومقاطعة لسلوك ونهج احزاب السلطة.
وبعد مرور(22) سنة من تغيير النظام الان نجد هناك اصوات من الداخل العراقي تنادي بالتغيير ولكن ماهو شكل هذا التغيير؟؟ تغيير نظام ام تغيير نهج وسلوك اي في معادلة الاصلاح؟ لان ببساطة الفاعل السياسي الدولي لا يريد اسقاط النظام في العراق والتجربة الديمقراطية وانما هناك رفض وانزعاج من قبل بعض الشخصيات الحاكمة في العراق التي لدينا ازدواجية «الدولة واللادولة»، لذلك اجد الاقرب للواقعية هو ليس تغيير نظام ديمقراطي وانما معالجة الاخطاء وتصحيح المسار وهذا يتطلب معادلة الازاحة الجيلية ويرافقها ازاحة فكرية، حتى يتغير نهج وسلوك السلطة والاحزاب الحاكمة، لان من الصعب اسقاط وتغيير النظام الديمقراطي نتاج (2003)، لانه مولود من رحم امريكي لذلك هو محمي ولكن هذا لا يعني ان امريكا تريد الوضع على ماهو عليه ابداً وانما تريد ازاحة السلاح الذي يهدد مصالح النظام الذي يرتبط بعلاقة تخادم مع اميركا وحلفاؤها، وامريكا تستطيع استهداف القيادات التي تهدد مصالحها في العراق ولنا باحداث لبنان مثال قريب وما حصل لقيادات حزب الله والحوثي، لذلك اقول ان الحديث عن اسقاط النظام خطير جداً لان المجتمع العراقي لديه ذاكرة سيئة من تجربة مابعد (2003) من احداث طائفية وفوضى في ظل غياب مؤسسات الدولة لان الولايات المتحدة وحلفاؤها لم تسقط النظام العراقي فحسب وإنما اسقطت الدولة وهنا المشكلة التي نعاني منها لغاية اليوم التي اظهرت لنا شخصيات وفواعل سياسية على حساب مؤسسات الدولة، وتحول من معادلة الرأس الواحد إلى الرؤوس المتعددة.