أنشودة الريح وصوت الغربة
ثامر مراد
الرياحُ تحملُ صوتكَ، صوتًا مشوشًا كأنه سرٌّ هاربٌ من قلبِ حلمٍ مهجور. ينزلقُ بخفةٍ بين الأوراقِ والأغصانِ، كمن يبحثُ عن ملاذٍ لن يُدركهُ أبدًا. أيُّ ريحٍ هذه؟ ريحٌ تحملُ معها همساتٍ مشوهة، كصدى يتيهُ في أعماقِ غابةٍ نائية، أو كأنفاسِ عاشقٍ أضنتهُ جراحُ الغياب.يا صوتًا جاء من خلفِ الزمنِ، يحملُ بينَ أنفاسهِ ظلالَ الحكايا والذكرى. أيُّ وطنٍ أضاعكَ؟ وأيُّ غربةٍ غيَّرت ملامحكَ، ورسمتكَ بهيئةٍ جديدةٍ لا أعرفُها؟
لكنَّ الروحَ لا تخطئُ حزنَكَ، ذاك الحزنَ الخفيَّ المتسللَ بين الحروفِ المبعثرة. تسمعُ بينَ شتاتِ الصوتِ نداءَ الحنينِ، وشوقَ العائدِ البعيدِ الذي أضناهُ التيه.من تكون؟ هل أنتَ حبيبٌ من ماضٍ عتيق؟ أم ظلٌّ يجرُّ أذيالَ ذكرى لا تذوي؟ هل أنتَ حكايةُ الريحِ التي تُشعلُ الخيالَ، أم مجرّدُ صدى يبحثُ عن قلبٍ يُنصتُ إليه؟أيَّتها الريحُ، أمَّ الأسرارِ، لماذا تمزِّقينَ الكلمات؟ لماذا تتركينَ الحروفَ عاريةً في مهبِّكِ القاسي؟ هل تظنينَ أنّنا نخشى هذا العُري؟ نحنُ أبناءُ الصمتِ وأسيادُ المجاز.من شتاتِ الصوتِ نعيدُ صياغتهُ. نلملمُ الحروفَ المبعثرةَ، نغزلُ منها ألحانَ وجدٍ، ونكتبُ قصائدَ تتنفسُ الحياةَ رغمَ كسرِها.فلتكن الرياحُ مرسالَكَ، ولندع نحنُ نكونُ شهودَ هذا الصوتِ. نزرعُ من تمزُّقهِ أغنيةً خالدة، ونبني من شرذمتهِ وطنًا جديدًا لا يُهزم.