الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
غول ينهش عقول قادة المستقبل

بواسطة azzaman

غول ينهش عقول قادة المستقبل

باسل الخطيب

 

دهش الرجل عندما استمع لأطفال صديقه يتكلمون فيما بينهم باللغة الإنكليزية، ودهش أكثر عندما شاهدهم يخاطبون والدتهم كما والدهم باللغة ذاتها، وعندما استفسر عن سبب ذلك قيل له إن الإنكليزية هي اللغة السائدة في المدرسة الدولية التي يدرسون فيها، وفي زيارة عائلية أخرى، وجد أطفال صديقه الآخر يتحدثون مع مربيتهم الفلبينية بالإنكليزية، وفي زيارة ثالثة وجد إبنة صديقه تبكي لأن والدها نقلها من المدرسة الدولة التي كانت فيها إلى أخرى محلية للمتميزين بسبب ما عده الأب «إنحرافات» سلوكية طرأت عليها نتيجة وجودها في تلك المدرسة والأجواء التي تسودها سواء على صعيد التدريس أم الاختلاط! المصيبة ان أولئك الأطفال والمراهقين، الذين يمثلون شريحة متسارعة التكاثر في البلد، لا يكادون يفكون الخط باللغة العربية، كما الكردية بالنسبة لأهالي إقليم كردستان، ناهيكم عن الجهل بتاريخ بلدهم ودينهم، وإكتسابهم أطباع وسلوكيات لا تنسجم مع طبيعة مجتمعهم، كنتيجة لطبيعة الأجواء والمناهج في المدارس والجامعات الدولية التي تتكاثر بنحو متسارع، وإقبال الأهالي المتزايد عليها لأسباب عدة، منها ما هو منطقي وما هو غير ذلك. ولعل من البديهي التذكير بأهمية اللغة، للأطفال بخاصة والشباب بعامة، كعامل رئيس في بناء الهوية الوطنية والقومية وتعزيز الجوانب الثقافية والدينية، والتعريف بتراثهم وتاريخهم، من بين أمور أخرى كثيرة، لذلك فان عدم الانتباه لتعليم الأطفال لغة القرآن الكريم، وانشغال الأهل عن ذلك بتعقيدات الحياة والعمل، يؤدي بالضرورة إلى خلق جيل يعاني من الاغتراب في وطنه، ولا يشعر بالانتماء إليه وإلى مجتمعه، كيف لا وهو يتشرب بالمفاهيم والعادات الأجنبية، حتى أنه يحتفل بالأعياد والمناسبات التي تتبعها تلك المدارس والجامعات أكثر مما يفعل عند حلول نظيرتها المحلية والإسلامية!

إن الانتشار الأميبي للمدارس والجامعات الدولية، وإغفالها المتعمد الاهتمام باللغة العربية والدين وتاريخ البلد، وفرضها نمط الحياة الأميركية أو الغربية، على طلابها ينطوي على مخاطر اجتماعية وثقافية جمة على من يفترض بهم «قادة المستقبل»، لا بل أنه يشكل نوعاً جديداً من أنواع التبعية والاستعمار «الناعم»، وهو ما ينبغي للجهات المعنية لاسيما وزارتي التربية والتعليم العالي كما البرلمان، التنبه له ومتابعته كمهمة وطنية لا تقل خطورة عن حماية أمن البلد وسيادته.

تحقير العرب

إن المدارس والجامعات الدولية تعتمد المناهج التي تبث الهوية والثقافة الأمريكية أو الغربية في عقول الأطفال والشباب حتى يتشربونها وفقاً للمثل المعروف «التعلم في الصغر كالنقش على الحجر»، الأدهى والأمر أن مناهج بعض تلك المدارس أو الجامعات تتضمن ما يعد تحقيراً للعرب والمسلمين، وما يدعو للحرية الجنسية والمثلية، وكل ما من شأنه التعبير عن قيم المجتمعات التي تمثلها، في ظل غياب كامل أو شبه كامل للقيم والمعايير العربية أو الإسلامية أو حتى الوطنية!!! ما يؤدي بالنتيجة إلى تشبع أفكار «قادة المستقبل» بتلك المعايير والقيم ورفضهم بالنتيجة ثقافة آبائهم ومجتمعهم وقيمهم.ومن البديهي القول أيضاً، إن من بين أهداف التعليم الانتماء للوطن والأرض واللغة والدين، وذلك ما تفتقر إليه مناهج المدارس كما الجامعات الدولية، ما يؤدي إلى جعل «قادة المستقبل» غرباء في وطنهم وإنفصالهم عن مجتمعهم، لعدم القدرة على التواصل معه بل وحتى النفور منه، مثلما أن من شأن تنوع تلك المدارس والجامعات واعتمادها مناهج مرتبطة بالدول التي تنتمي إليها، أن يجعل أبناء البلد الواحد عبارة عن طوائف فكرية وثقافية، لأن كل فئة من الطلاب تصطبغ بصبغة خاصة تتبع المدرسة التي يدرسون فيها ومناهجها وطرق التدريس فيها وطبيعة الرسالة التعليمية التي ترسخها في عقولهم الغضة.

ولعل من نافلة القول، إن البعض يرى في المدارس والجامعات الدولية وسيلة مثلى لضمان مستقبل جيد لأبنائه، يستطيعون من خلالها إيجاد وظيفة لائقة سواء داخل البلد أم خارجه، وإن المستوى التعليمي سواء في الدراسات الأولية أم الجامعية، بات في خبر كان، وهو ما يتطلب من الجهات المعنية بالتربية والتعليم، التنبه لذلك والحد من التأثير السلبي للمدارس والجامعات الدولية من خلال تضمين مناهجها مفردات تعنى باللغة الأم (عربية، كردية) وتاريخ البلد، على أن تكون إلزامية وأساسية وليست اختيارية.. وقبل هذا وذاك اتخاذ خطوات جدية للإرتقاء بمستوى التعليم الأولي ومعالجة مشكلة إكتضاض المدارس والدوام المزدوج أو الثلاثي فيها، مثلما يتوجب عليها إعادة نظر جدية بالتعليم الجامعي الذي يعاني هو الآخر من مشاكل جدية وخطيرة أودت بمستواه إلى الحضيض!

معاناة البلد

لقد بات التعليم الأجنبي مشكلة مضافة إلى معاناة البلد، واسلوب آخر لضمان تبعيته واستعماره بنحو ناعم، في ظل عدم إدراك، أو ربما «تغليس» الجهات المعنية عن تداعياته ومخاطره، نتيجة إنشغالها بالمكاسب والمغانم والهيمنة والتجهيل وبث الفرقة والأحقاد بين أفراده!!! ليواصل الغول المتمثل بتلك المؤسسات الدولية، ومن يقف خلفها، بنهش عقول «قادة المستقبل».. فهل من مجيب.. قولوا إن شاء الله.

 


مشاهدات 839
الكاتب باسل الخطيب
أضيف 2023/12/26 - 4:05 PM
آخر تحديث 2024/12/26 - 4:16 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 86 الشهر 12550 الكلي 10068645
الوقت الآن
الأحد 2024/12/29 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير