الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
العراق ما بعد المغول التتر

بواسطة azzaman

العراق ما بعد المغول التتر

ماهر نصرت

 

هناك من يدعي بأن العراق او ما يسمى في العهد القديم بلاد ما بين النهرين لم يحالفه النجاح الى مستوى الطموح منذ تدميره على يد المغول البرابرة الى حقبة متقدمة من الزمن  المعاصر، فقد ثبت عدم مقدرة المجتمعات التي تسكن على أرضــه مع مرور الزمن أن تعيد بناءه وتسعى بشكل فعلي للوصول الى أسباب التقدم والارتقاء الحضاري ، فمنذ ذلك الوقت وبلدنا ألعوبة بيد القوى الإقليمية وغير الاقليمية  حتى صرنا بمثابة الأدوات التي يستعملونها لتحقيق مصالحهم وبناء إمبراطوراتهم وكان آخرها الوجود العثماني في العراق على مدى أربعة قرون متتالية ومن ثم الاحتلال البريطاني والأمريكي في الوقت الحاضر الذي سمح للدول المحيطة أن تتدخل في خصوصيات بلدنا وتعمل على تدمير مقومات الصناعة فيه لتجعله سوقاً لبضاعتهم حتى صار كالبقرة الحلوب التي تدر عليهم الحليب الدسم متى ما شاءوا ، فليس من مصلحة الدول الإقليمية ان يكون العراق بلداً صناعياً مزدهراً بسبب خطورته على صناعات دولهم  فهو يقيم على بحار من البترول وبإمكانه ان يظهر قوة اقتصادية عظيمة لو تُستغل وارداته بشكلٍ سليم في عملية البناء والتطوير الصناعي من دون فساد ونهب الاموال المخزي .

إن هذا البلد هو خليط من سلالات وأنساب القبائل المهاجرة كما يدعي المؤرخون وقد شاء القدر ان تلتقي جميعها على الأراضي الخصبة المحيطة بين نهري دجلة والفرات من شماله لجنوبه منذ الماضي البعيد فصار بينهما الاقتتال والتناحر على الأراضي الزراعية والأنهار المتداخلة فيها كما تحصل المعارك بين القبائل البدوية على بركة ماء وثمة حشائش خضراء في الصحراء .. حتى جاء الملك فيصل الأول الذي اراد أن يوحد مجتمعات هذا البلد ويجعل التآلف قائماً بين قبائله المتناحرة ولديه مقولته الشهيرة التي ذكر فيها: (أقول وقلبي ملآن أسى، أنه في اعتقادي لا يوجد في العراق شعب عراقي بعد، بل توجد تكتلات بشرية خالية من أي فكرة وطنية، متشبعة بتقاليد وأباطيل دينية، لا تجمع بينهم جامعة، سمّاعون للسوء، ميّالون للفوضى، مستعدون دائماً للانتفاض على أي حكومة كانت) .هناك من يدعي بأن بلدنا هو دولة حديثة التشكيل لا يمتلك مفكروه ومهندسوه الرؤى الحقيقية للبناء والتطوير بما يلائم المستوى المتقدم للتقنية الصناعية العالمية الحديثة وبذلك يتعذر علينا اللحاق بالتسارع العلمي والتطور التكنلوجي الحاصل في العالم .

عقود ماضية

أن اكثر الشهادات العلمية العليا الممنوحة الى مستحقيها هي من أصدار دول الغرب ولو نعود الى أكثر تلك الشهادات في العقود الماضية سنجدها صادرة من احدى جامعات بريطانيا -  أمريكا -  روسيا - المانيا او بعضاً من الدول الغربية الاخرى المشهورة بالسمعة الحسنة والحصانة العلمية التي تتميز بها جامعاتها منذ أمدٍ بعيد وهذا امر يدعوا الى الدهشة فلنذهب ونقرأ لوحات اسماء الاطباء واختصاصاتهم المعلقة فوق جدران عياداتهم الطبية سنجد أن  جميعها تشير الى جامعات بريطانيا او غيرها من الجامعات الدولية المشهورة حتى ان اكثر الشهادات التي منحتها الجامعيات العراقية في القرن الماضي الى يومنا هذا تعود بأساسها العلمي الى تطبيق المنهج الغربي في التعليم والتجربة المختبرية فلا تمتلك جامعاتنا مختبراً واحداً فيه جهاز علمي يتدرب عليه الطلبة وهو مصنوع في بلدنا او منهج علمي يعتمدوه لديهم مؤلف مائة بالمائة من لجنة أستاذة عراقيين حتى وأن وجد سنكتشف أن مصادره مقتبسة من الكتب الغربية باستثناء بعضاً من المناهج الزراعية التي اعتمدتها الجامعات العراقية وأكثرها لم يثبت نجاحه مائة بالمائة بعد ان تعقدت الأمراض الزراعية وأصبحت آفة مدمرة للمحاصيل داخل المزارع والحقول .

في الحقيقة إنني لم انتقص من قيمة اساتذتنا الذين ساروا على طريق العلم فقد كانت غايتهم ولا شك في ذلك هي خدمة بلدهم والذود عن حماه وتطوير آلته العلمية والصناعية ولكننا وجدنا ان اكثر الذين حصلوا على الشهادات من الدول الغربية عادوا أدراجهم وسكنوا تلك الدول وهم متذمرون من بلدهم الأصل وراحوا يعملون في تلك البلاد  ويخدمونها كما لو كانوا قد ولدوا فيها ونسوا بلدهم الأم الذي منحهم جزءً من أموال الشعب من اجل تعليمهم وتأهيلهم لمنحهم العلم والشهادات وجعلهم يصطفون على سُلّم الارتقاء ، فلم يكون الكثير منهم أوفياء في رد جميل بلدهم وهذا نوع من أنواع الخيانة العلمية وعدم الوفاء بعد أن حملوا شهاداتهم ورحلوا بها الى شعوب لم تكن بحاجتهم اصلاً بحجة سوء الوضع السياسي والامني ونسوا انهم جنود الوطن ومن المفروض ان يخدموه  في سرائه وضرائه .... لا فائدة من الحديث بهذا الشأن على ما يبدو فهو موضوع عميق ومتشعب واملنا مازال متفائلاً بالوضع الجديد القادم والتغيير الذي ستحدثه ضروريات الحضارة المتقدمة الوافدة لشعوبنا النامية عسى ان تعيد تنظيم أجيالنا القادمة وتضعها على المسار الصحيح وهذا امرٌ نرى فيه قدراً كبيراً من الصعوبة لتحقيقه في المستقبل القريب على أقل تقدير ونحتاج الى ثورة فكرية كبرى تعيد الثقة والطمأنينة الى أروقة البلاد ونفوس العباد، وللحديث بقية .


مشاهدات 500
الكاتب ماهر نصرت
أضيف 2023/12/11 - 3:49 PM
آخر تحديث 2024/07/18 - 3:02 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 371 الشهر 7939 الكلي 9370011
الوقت الآن
الخميس 2024/7/18 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير