الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
غزة.. هل من نهاية للحرب ؟

بواسطة azzaman

غزة.. هل من نهاية للحرب ؟

عماد علو الربيعي

 

المقدمة

يعتبر الهجوم المباغت الذي قامت فيه حركة حماس في 7 تشرين الأول / أكتوبر 2023، على المواقع العسكرية الإسرائيلية في غلاف غزة، من الناحية العسكرية عملية تكتيكية محدودة، الا أنها أدت الى نتائج جيوستراتيجية، وجيوسياسية.! حيث تمثلت هذه النتائج بمستوى هائل من الانتقام الإسرائيلي، تزامن معه ويرافقه دعم عسكري ولوجستي غربي بقيادة الولايات المتحدة الامريكية لم يسبق له مثيل في تاريخ الحروب العربية الإسرائيلية. في وقت تدل كافة المؤشرات فيه على أن الحرب في غزة تبدو حتى اللحظة طويلة الأمد ولا يمكن الجزم بالطرف المنتصر بها، في وقت يستمر نزيف المدنيين لأجل غير مسمى، ويواجه الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، خطر الإبادة العرقية الجماعية. والسؤال المطروح الذي سنحاول الإجابة عليه هو لماذا لن تنتهي الحرب في غزة على الأقل في المستقبل المنظور بل والمتوسط أيضا»؟

 غموض الاستراتيجيات

على الرغم من النجاح التكتيكي لهجوم حماس المباغت في 7 أكتوبر 2023، الا أن هذا الهجوم لم يحقق لحماس أي مكاسب سياسية أو استراتيجية واضحة، بل أدى الى رد فعل عسكري إسرائيلي هائل، نجم عنه سقوط آلاف الضحايا من المدنيين بين قتيل وجريح وتدمير هائل وغير مسبوق في البنية التحتية لقطاع غزة، وكان على قيادة حماس أن تتوقع مستوى الثمن والكلفة التي سيدفعها سكان قطاع غزة، وأن تحسب قدرتها على الصمود والبقاء، وأيضا» كان عليها أن تحسب مستوى الدعم الذي ستحصل عليه من قوى خارجية مثل حزب الله وإيران والحوثيين. مما يدل على أن قيادة حماس لم تكن موفقة في تحديد هدفها الاستراتيجي من شن هجومها المباغت في 7 أكتوبر 2023.

    ان التخبط والغموض في استراتيجية إسرائيل بقيادة اليمين المتطرف إزاء الفلسطينيين منذ عدة سنوات، عكس بشكل واضح فشلها الاستراتيجي الذي تمثل بسياسة (قص العشب)، التي كانت إسرائيل تنتهجها في غزة وبقية الأراضي الفلسطينية المحتلة، في وقت سلط فيه هجوم حماس الضوء على مدى ضعف سيطرة إسرائيل على غزة، وفشلها الاستخباراتي والعملياتي. وعلى الرغم من عنف ضرباتها الجوية والصاروخية ضد المدنيين في قطاع غزة وهجومها البري بأرتال المدرعات والدبابات في عمق قطاع غزة والحاقها خسائر فادحة به، الا أن القيادات السياسية والعسكرية الإسرائيلية فشلت في تحديد نطاق هجومها وأهدافه الاستراتيجية، لحد الان. في وقت فقدت فيه إسرائيل الكثير جدا» من التعاطف الدولي، ولم تثبت قدرتها على تحقيق نصر دائم، يؤدي الى تحقيق الأمن والاستقرار المنشود لدولة إسرائيل في بيئة إقليمية ازداد في الرفض لوجودها وسياستها القمعية إزاء المدنيين الفلسطينيين. وهنا نعود الى التساؤل مرة أخرى،

كيف سينتهي القتال في غزة؟ 

غموض سيناريوهات المستقبل

لا يزال من السابق لأوانه التنبؤ بمستقبل الصراع العسكري الدامي في قطاع غزة، في وقت تتغير في أهداف، العملية العسكرية الإسرائيلية بين الحين والآخر، بين تدمير حماس والجهاد الإسلامي وبين اضعاف قدراتهما في قطاع غزة فقط أم في كامل الأراضي الفلسطينية؟ وهل ستنصاع إسرائيل لمطالب الرأي العام الدولي بالالتزام بمعايير القانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف، وإيقاف الإبادة الجماعية التي ترتكبها قواتها يوميا» في غزة؟ كما من السابق لأوانه أيضا» معرفة الكلفة المادية والبشرية التي ستتحملها حماس قبل قبولها الشروط الإسرائيلية والأمريكية لإطلاق سراح الرهائن والأسرى الإسرائيليين والأجانب؟ وما مدى قدرة شبكة الانفاق في غزة على الحاق الضرر بالقوات الإسرائيلية الغازية؟ ولايزال الغموض يكتنف تقدير مدى تدخل تهديدات محور المقاومة الإسلامية في لبنان وسوريا والعراق واليمن، المدعوم من قبل ايران؟ في وقت تهدد في الاساطيل والقوات الامريكية والغربية بالتدخل المباشر في الحرب الى جانب إسرائيل فيما لو صعد محور المقاومة الإسلامية من عملياته لتخفيف الضغط على حركة حماس والجهاد الإسلامي في قطاع غزة؟ إزاء كل ذلك هناك من يعيد الى الاذهان إخراجَ ياسر عرفات ومقاتليه من لبنان في آب 1982، وانهاء منظمة «فتح» كتنظيم عسكري، وهو سيناريو وارد، لاسيما وأن حماس تتوافر على قوة من 35 ألف مقاتل، وإسرائيل عدّت التخلّصَ منهم هدفاً، وهذه مهمة تكاد تكون مستحيلةً عسكرياً بوجود شبكة الانفاق الواسعة الممتدة الى ما يقرب 500 كلم تحت الأرض، ويبقى التحدي الآخر الوجهة التي يمكن أن تستضيفهم في ظروف إقليمية ودولية غاية في التعقيد سياسيا» واقتصاديا» وأمنيا».  ان الصدمة التي أحدثها هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023، قد هز ليس فقط حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي (نتن ياهو)، بل أيضا» هز السلطة الفلسطينية في رام الله وبات بقاء (محمود عباس) على رأس السلطة الفلسطينية أمر مشكوك فيه، وبالمقابل فان قيادة حماس القابعة في الدوحة لم تعد تتمتع بالثقل والدور الفاعل المؤثر في أي مباحثات أو تفاوض مستقبلي بالمقارنة مع القادة الميدانيين في داخل غزة مثل (محمد ضيف) و(يحيى السينوار)، وعليه فان مستقبل غزة بل مستقبل الضفة الغربية وأي حل لمستقبل الأوضاع والعلاقة بين إسرائيل والفلسطينيين لابد أن ترسمه وتضع ملامحه قيادات سياسية جديدة، وهذا الأمر لن يتبلور في ظل استمرار القتال والقصف الجوي والابادة الجماعية ..

الخيارات المتاحة

استنادا» لما سبق يبدو واضحاً هو أن كلا الجانبين ليس لديهما الآن خيارات جيدة من شأنها أن تحقق وقفا» لإطلاق النار وانهاء محرقة الموت اليومي في غزة والضفة الغربية وبالتالي الوصول الى تسوية تحقق السلام الدائم أو الاستقرار. خصوصا» وأن رد الفعل العسكري الهائل للقوات الاسرائيلية إسرائيل أدى إلى زيادة حادة في العداء بين سكان غزة والفلسطينيين خاصة والعرب بصورة عامة تجاه إسرائيل، كما أدى الأداء العسكري الإسرائيلي الاجرامي ضد المدنيين العزل في قطاع غزة الى تقويض التعاطف والدعم الذي اكتسبته تل أبيب بعد هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023.

واعتقد كعسكري أن الجيش الإسرائيلي سيكون قادر على احتواء غزة والسيطرة عليها وبالتالي إضعاف القدرات العسكرية لحماس بشكل كبير جدا، ولكن لن يتم قبولها أبداً من قبل سكان غزة مما سيبقي قواتها في غزة بموقف غير ملائم من الناحية الأمنية، وسوف تضطر في النهاية الى الانسحاب، والتمترس خلف منظومة معقدة ومكلفة من الحواجز الأمنية التي قد تضطر إلى أن تمتد إلى ما هو أبعد من الحدود الحالية وتتطلب الكثير من الجهد، وتخصيص قوات عسكرية برية وبحرية وجوية، لتلافي تكرار ما حصل في 7 أكتوبر 2023.

أما بالنسبة لموقف المجتمع الدولي فانه ليس من الواضح على الإطلاق امتلاكه خيارات يمكن طرحها لشكل من أشكال إنهاء الصراع وحل لا يؤدي الى جولة أخرى محتملة من القتال في غزة وتصاعد مستوى العداء بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، في وقت قد تكون احدى تداعيات هجوم حماس في 7 أكتوبر، تصاعد العداء للفلسطينيين في الداخل الإسرائيلي إلى مزيد من الضغوط من قبل المستوطنين والمتشددين للاستيلاء على الأراضي وتقييد حقوق الفلسطينيين في الضفة الغربية والمدينة القديمة والقدس الشرقية وإسرائيل.

الخاتمة

ان وجود حركة حماس في المجتمع الفلسطيني يبقى رقماً صعباً لا يمكن تجاهلُه، وإذا كان هناك من حل دائم للاستقرار الحقيقي في غزة، وأي مقدمة لسلام إسرائيلي فلسطيني أوسع نطاقا، فهو يكمن فيما يلي:

1. استمرار جهود التواصل عبر طرف ثالث (مصر، قطر، الأردن، عمان، تركيا) لتقريب وجهات النظر بين طرفي الصراع.

2. رفع الحصار المفروض على غزة والضفة الغربية وتأمين وصول المساعدات الإنسانية للفلسطينيين وهذا دور الصليب الأحمر والهلال الأحمر ومؤسسات الأمم المتحدة ومكتب تنسيق الشؤون الإنسانية لتسهيل وإنجاز ذلك.

3. وقف فوري للأعمال العسكرية العدائية، على أن يتم دفعه في نهاية المطاف عبر عدة مراحل القنوات الدولية والتوقف عن استهداف المدنيين من قبل طرفي الصراع.

4. العودة الى طاولة الحوار والمفاوضات لوضع خطة سلام بضمانات دولية .

ختاما» فان السؤال الحقيقي هو ليس (هل من نهاية للحرب في غزة)، بل (لماذا لن تنتهي الحرب في غزة؟)، وبالتأكيد فإن الكارثة تكمن في التصعيد العسكري الإسرائيلي المستمر إلى المجهول.

 

 خبير في الشؤون العسكرية الاستراتيجية


مشاهدات 573
الكاتب عماد علو الربيعي
أضيف 2023/11/10 - 8:45 PM
آخر تحديث 2024/07/16 - 2:36 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 275 الشهر 7843 الكلي 9369915
الوقت الآن
الخميس 2024/7/18 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير